يحتاج إلى تكلّف ، وإذا كان لا بد من التزام الإضمار ، فهذا الإضمار الذي ينتظم به الكلام نظما جليا أولى.
فصل
والمراد من الكتاب هو المنزّل ، المقروء ، والحكمة هي الوحي الوارد بالتكليف المفصّلة التي لم يشتمل الكتاب عليها.
وكلمة «من» ـ في قوله : (مِنْ كُتُبٍ) تبيين ل «ما» كقولك : ما عندي من الورق دانقان.
وقيل : هذا الخطاب إما أن يكون مع الأنبياء ، فجميع الأنبياء ، ما أوتوا الكتاب ، وإنما أوتي بعضهم ، وإن كان مع الأمم فالإشكال أظهر.
والجواب من وجهين :
الأول : أن جميع الأنبياء أوتوا الكتاب بمعنى كونه مهتديا به ، داعيا إلى العمل به ، وإن لم ينزل عليه.
الثاني : أشرف الأنبياء هم الذين أوتوا الكتاب ، فوصف الكل بوصف أشرفهم.
فإن قيل : ما وجه قوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ) والرسول لا يجيء إلى النبيين ، وإنما يجيء إلى الأمم؟
فالجواب : أما إن حملنا قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) على أخذ ميثاق أممهم ، فالسؤال قد زال ، وإن حملناه على أخذ ميثاق النبيين من أنفسهم ، كان قوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ) أي : ثم جاءكم في زمانكم.
فإن قيل : كيف يكون محمد صلىاللهعليهوسلم مصدقا لما معهم ـ مع مخالفة شرعه لشرعهم ـ؟
فالجواب : أن المراد به حصول الموافقة في التوحيد والنبوات وأصول الشرائع ، أما تفاصيلها فإن وقع خلاف فيها فذاك في الحقيقة ليس بخلاف ؛ لأن جميع الأنبياء متفقون على أن الحق في زمان موسى ليس إلا شرعه ، وأنّ الحقّ في زمان محمد صلىاللهعليهوسلم ليس إلا شرعه ، فهذا وإن كان يوهم الخلاف فهو في الحقيقة وفاق.
وأيضا فالمراد بقوله : (مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) هو أن محمدا صلىاللهعليهوسلم مصدق لما معهم من صفته ، وأحواله المذكورة في التوراة والإنجيل ، فلما ظهر على أحوال مطابقة لما ذكر في تلك الكتب كان نفس مجيئه تصديقا لما معهم.
والميثاق يحتمل وجهين :
أحدهما : هو أن يكون ما قرر في عقولهم من الدلائل الدالة على أن الانقياد لأمر الله واجب ، فإذا جاء الرسول فهو إنما يكون رسولا عند ظهور المعجزات الدّالّة على