وقال : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) [التوبة ؛ ١٠٤] أي : يقبلها.
وقوله : (أَقْرَرْنا) أي : بالإيمان به ، وبنصرته ، وفي الكلام حذف جملة ، حذفت لدلالة ما تقدم عليها ؛ إذ التقدير : قالوا : أقررنا ، وأخذنا إصرك على ذلك كلّه.
وقوله : (فَاشْهَدُوا) هذه الفاء عاطفة على جملة مقدّرة ، والتقدير : قال : أأقررتم؟ فاشهدوا ، ونظير ذلك : ألقيت زيدا؟ قال : لقيته ، قال : فأحسن إليه. التقدير : ألقيت زيدا ، فأحسن إليه ، فما فيه الفاء بعض المقول ، ولا جائز أن يكون كل المقول ؛ لأجل الفاء ، ألا ترى قوله : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) وقوله : (قالُوا أَقْرَرْنا).
لو كان كلّ المقول لم تدخل الفاء ، قاله أبو حيان.
فصل
في معنى قوله : (فَاشْهَدُوا) وجوه :
الأول : فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار ، (وَأَنَا مَعَكُمْ) أي : وأنا على إقراركم ، وإشهاد بعضكم بعضا (مِنَ الشَّاهِدِينَ) وهذا توكيد وتحذير من الرجوع إذا علموا شهادة الله ، وشهادة بعضهم على بعض.
الثاني : أن هذا خطاب للملائكة بأن يشهدوا عليهم ، قاله سعيد بن المسيّب.
الثالث : أن قوله : (فَاشْهَدُوا) إشهاد على نفسه ، ونظيره قوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) [الأعراف : ١٧٢] وهذا باب من المبالغة.
الرابع : فاشهدوا ، أي : بيّنوا هذا الميثاق للخاصّ والعامّ ؛ لكي لا يبقى لأحد عذر في الجهل به ، وأصله أن الشاهد يبيّن صدق الدّعوى.
الخامس : قال ابن عبّاس : (فَاشْهَدُوا) أي : فاعلموا ، واستيقنوا ما قررته عليكم من هذا الميثاق ، وكونوا فيه كالمشاهد للشيء المعاين له.
السادس : إذا قلنا : إنّ أخذ الميثاق كان من الأمم ، فقوله : (فَاشْهَدُوا) خطاب للأنبياء بأن يكونوا شاهدين عليهم. قوله : (مِنَ الشَّاهِدِينَ) هذا هو الخبر ؛ لأنه محط الفائدة. وأما قوله : (مَعَكُمْ) فيجوز أن يكون حالا ، أي : وأنا من الشاهدين مصاحبا لكم ، ويجوز أن يكون منصوبا ب «الشّاهدين» ظرفا له عند من يرى تجويز ذلك ـ ويمتنع أن يكون هذا هو الخبر ؛ إذ الفائدة به غير تامة في هذا المقام.
والجملة من قوله : (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) يجوز ألا يكون لها محل ؛ لاستئنافها. ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من فاعل (فَاشْهَدُوا) والمقصود من هذا الكلام التأكيد ، وتقوية الإلزام. قوله : (فَمَنْ تَوَلَّى) يجوز أن تكون «من» شرطية ، فالفاء ـ في «فأولئك» جوابها. والفعل الماضي ينقلب مستقبلا في الشرط. وأن تكون موصولة ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ باسم الشرط ، فالفعل بعدها على الأول ـ في محل جزم ،