وعلى الثاني لا محل له ؛ لكونه صلة ، وأما «فأولئك» ففي محل جزم أيضا ـ على الأول ، ورفع الثاني ، لوقوعه خبرا و «هم» يجوز أن يكون فصلا ، وأن يكون مبتدأ.
ومعنى الآية : من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول ، وبنصرته ، والإقرار له (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن الإيمان.
قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٨٣)
الجمهور يجعلون الهمزة مقدّمة على الفاء ، للزومها الصدر ، والزمخشري يقرها على حالها ، ويقدّر محذوفا قبلها ، وهنا جوّز وجهين :
أحدهما : أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة ، والمعنى : فأولئك هم الفاسقون ، فغير دين الله يبغون ، ثم توسطت الهمزة بينهما.
والثاني : أن تعطف على محذوف ، تقديره أيتولون ، فغير دين الله يبغون؟ لأن الاستفهام إنما يكون عن الأفعال والحوادث ، وهو استفهام استنكار ، وقدم المفعول ـ الذي هو «غير» ـ على فعله ؛ لأنه أهم من حيث أن الإنكار ـ الذي هو معنى الهمزة ـ متوجّه إلى المعبود الباطل ، هذا كلام الزمخشريّ.
قال أبو حيان : «ولا تحقيق فيه ؛ لأن الإنكار ـ الذي هو معنى الهمزة ـ لا يتوجه إلى الذوات ، وإنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات ، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء ، الذي متعلقه غير دين الله ، وإنما جاء تقديم المفعول من باب الاتساع ، ولشبه «يبغون» بالفاصلة ، فأخّر الفعل».
وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم (١) «يبغون» من تحت ـ نسقا على قوله : (هُمُ الْفاسِقُونَ) والباقون بتاء الخطاب ، التفاتا لقوله : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) ولقوله: (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ).
وأيضا فلا يبعد أن يقال للمسلم والكافر ، ولكل أحد : أفغير دين الله تبغون مع علمكم أنه أسلم له من في السموات والأرض وأن مرجعكم إليه؟ ونظيره قوله : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) [آل عمران : ١٠١].
قال ابن الخطيب : ذكر المفسّرون في سبب النزول أن أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فادّعى كلّ واحد من الفريقين أنه على دين إبراهيم ، فقال صلىاللهعليهوسلم كلا الفريقين بريء من إبراهيم ، فغضبوا وقالوا : والله لا نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزل قوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ).
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٤ ، والكشف ١ / ٢٥٣ ، والعنوان ٨٠ ، والحجة للقراء السبعة ٣ / ٦٩ ، وحجة القراءات ١٧٠ ، وشرح شعلة ٣٢٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٢ ، وإتحاف ١ / ٤٨٤.