أحدهما : أن يكون المأمور بهذا القول ـ وهو «آمنّا» إلى آخره ـ هو محمد صلىاللهعليهوسلم ثم في ذلك معنيان :
أحدهما : أن يكون هو وأمته مأمورين بذلك ، وإنما حذف معطوفه ؛ لفهم المعنى ، والتقدير: قل يا محمد أنت وأمتك : آمنا بالله ، كذا قدّره ابن عطية.
والثاني : أن المأمور بذلك نبينا وحده ، وإنما خوطب بلفظ الجمع ؛ تعظيما له.
قال الزمخشري : «ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك ؛ إجلالا من الله ـ تعالى ـ لقدر نبيّه».
والاحتمال الثاني : أن يكون المأمور بهذا القول من تقدم ، والتقدير : قل لهم : قولوا : آمنا ، ف «آمنّا» منصوب ب «قل» على الاحتمال الأول ، وب «قولوا» المقدّر على الاحتمال الثاني ، وذلك القول المضمر منصوب المحل.
وهذه الآية شبيهة بالتي في البقرة ، إلا أنّ هنا عدّى «أنزل» ب «على» وهناك عدّاه ب «إلى».
قال الزمخشري : لوجود المعنيين جميعا ؛ لأن الوحي ينزل من فوق ، وينتهي إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين ، وأخرى بالآخر.
قال ابن عطية : «الإنزال على نبيّ الأمة إنزال عليها» وهذا ليس بطائل بالنسبة إلى طلب الفرق.
قال الراغب : «إنما قال ـ هنا ـ «على» ، لأن ذلك لما كان خطابا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشرية ، كان لفظ «على» المختص بالعلوّ أولى به ، وهناك لما كان خطابا للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلىاللهعليهوسلم كان لفظ «إلى» المختص بالاتصال أولى.
ويجوز أن يقال : «أنزل عليه» ، إنما يحمل على ما أمر المنزّل عليه أن يبلّغه غيره. وأنزل إليه ، يحمل على ما خصّ به في نفسه ، وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [العنكبوت : ٥١] وقال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] خص هنا ب «إلى» لما كان مخصوصا بالذكر الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب».
وهذا الذي ذكره الراغب ردّه الزمخشريّ ، فقال : «ومن قال : إنما قيل : «علينا» لقوله : «قل» و «إلينا» لقوله : «قولوا» ، تفرقة بين الرسول والمؤمنين ؛ لأن الرسول يأتيه الوحي عن طريق الاستعلام ، ويأتيهم على وجه الانتهاء ، فقد تعسّف ؛ ألا ترى إلى قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [البقرة : ٤] وقوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) [المائدة : ٤٨] وقوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) [آل عمران : ٧٢] وفي البقرة : (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ)