مستسلمون لحكمه ، وفيه تنبيه على أن حاله على خلاف الذين خاطبهم الله بقوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قال أبو مسلم : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي : مستسلمون لأمره بالرضا ، وترك المخالفة ، وتلك صفة المؤمنين بالله ، وهم أهل السلم ، والكافرون أهل الحرب ، لقوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣].
قال ابن الخطيب : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يفيد الحصر ، والتقدير : له أسلمنا لا لغرض آخر من سمعة ، ورياء ، وطلب مال ، وهذا تنبيه على أن حالهم بالضّدّ من ذلك.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٨٥)
العامة يظهرون هذين المثلين في (يَبْتَغِ غَيْرَ) لأن بينهما فاصلا فلم يلتقيا في الحقيقة ، وذلك الفاصل هو الياء التي حذفت للجزم.
وروي عن أبي عمرو فيها الوجهان :
الإظهار على الأصل ، ولمراعاة الفاصل الأصليّ.
والإدغام ؛ مراعاة للفظ ؛ إذ يصدق أنهما التقيا في الجملة ، ولأن ذلك مستحقّ الحذف لعامل الجزم.
وليس هذا مخصوصا بهذه الآية ، بل كل ما التقى فيه مثلان بسبب حذف حرف لعلة اقتضت ذلك جرى فيها الوجهان ، نحو : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) [يوسف : ٩] وقوله : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) [غافر : ٢٨].
وقد استشكل على هذا نحو (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ) [غافر : ٨٤] ونحو : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي) [هود : ٣٠] فإنه لم يرو عن أبي عمرو خلاف في إدغامها ، وكان القياس يقتضي جواز الوجهين ، لأن ياء المتكلم فاصلة تقديرا.
قوله : «دينا» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول «يبتغ» و «غير الإسلام» حال ؛ لأنها في الأصل صفة له ، فلما قدّمت نصبت حالا.
الثاني : أن يكون تمييزا ل «غير» لإبهامها ، فميّزت كما ميّزت «مثل» و «شبه» وأخواتهما ، وسمع من العرب : إن لنا غيرها إبلا وشاء.
والثالث : أن يكون بدلا من «غير». وعلى هذين الوجهين ف (غَيْرَ الْإِسْلامِ) هو المفعول به ل «يبتغ».
وقوله : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) يجوز أن لا يكون لهذه الجملة محلّ ؛