لاستئنافها ، ويجوز أن تكون في محل جزم ؛ نسقا على جواب الشرط ـ وهو (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ـ ويكون قد ترتب على ابتغاء غير الإسلام دينا الخسران وعدم القبول.
فصل
لما تقدم قوله تعالى : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) بيّن أن الدين ليس إلا الإسلام ، وأن كل دين غيره ليس بمقبول ؛ لأن معنى قبول العمل أن يرضى الله ذلك العمل ، ويثيب فاعله عليه ، قال تعالى (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧] وما لم يكن مقبولا كان صاحبه من الخاسرين في الآخرة بحرمان الثواب ، وحصول العقاب ، مع الندامة على ما فاته من العمل الصالح ، مع التعب والمشقة في الدنيا في ذلك الدين الباطل.
فصل
قال المفسرون : نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلا ارتدّوا عن الإسلام ، وخرجوا من المدينة ، وأتوا مكة كفّارا منهم الحرث بن سويد الأنصاريّ ، فنزل قول الله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثّواب ، وحصول العقاب ، والتأسّف على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح ، والتحسّر على ما تحمّله من التعب والمشقة في تقرير دينه الباطل.
وظاهر هذه الآية يدل على أن الإيمان هو الإسلام ؛ إذ لو كان غيره لوجب أن لا يكون الإيمان مقبولا ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) إلا أن ظاهر قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] يقتضي التغاير بينهما ، ووجه التوفيق بينهما أن تحمل الآية الأولى على العرف الشرعيّ ، والآية الثانية على الموضع اللغويّ.
قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٨٦)
الاستفهام فيه كقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨].
وقيل : الاستفهام ـ هنا ـ معناه النّفي كقوله : [الخفيف]
١٥٣٢ ـ كيف نومي على الفراش ولمّا |
|
تشمل الشّام غارة شعواء؟ (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
__________________
(١) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات. ينظر ديوانه (٩٥) وابن يعيش ٩ / ٣٦ وابن الشجري ١ / ٣٨٣ ومقاييس اللغة ٣ / ١٩٠ والخزانة ٧ / ٢٨٧ و ١١ / ٣٧٧ وتذكرة النحاة ص ٤٤٤ ومعاني الفراء ٣ / ٣٠٠ واللسان (شعا) والعقد الفريد ٤ / ٤٠٦ والبحر المحيط ٢ / ٥٤١ والدر المصون ٢ / ١٦٠.