خفض قوله : قدير ؛ لأنه عطف على ما يمكن في قوله : منضج ؛ لأنه أمكن أن يكون مضافا إلى الصفيف ، فحمله على ذلك ، فإتيانه بهذا البيت نظير إتيان الزمخشريّ بهذه الآية الكريمة والبيت المتقدمين ؛ لأنه جر «قدير» ـ هنا ـ على التوّهم ، كأنه توهّم إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ؛ تخفيفا ، فجرّ على التوهّم كما توهم الآخر وجود الباء في قوله : ليسوا مصلحين ؛ لأنها كثيرا ما تزاد في خبر «ليس».
فإن قيل : إذا كان تقدير الآية : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد الإيمان وبعد الشهادة بأن الرسول حق ، وبعد أن جاءهم البيّنات ، فعطف الشهادة بأن الرسول حقّ يقتضي أنه مغاير للإيمان.
فالجواب : أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، والشهادة هي الإقرار باللسان ، فهما متغايران.
وقوله : «أن الرسول» الجمهور على أنه وصف بمعنى المرسل ، وقيل : هو بمعنى الرسالة ، فيكون مصدرا ، وقد تقدم.
فصل
في سبب النزول أقوال :
الأول : قال ابن عباس : نزلت في عشرة رهط ، كانوا آمنوا ، ثم ارتدّوا ، ولحقوا بمكة ، ثم أخذوا يتربصون به ريب المنون ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، وكان منهم من آمن ، فاستثنى التائب منهم بقوله : «إلّا الذين تابوا» (١).
الثاني : روي ـ أيضا ـ عن ابن عباس أنها نزلت في يهود قريظة والنضير ، ومن دان بدينهم ، كفروا بالنبي صلىاللهعليهوسلم بعد أن كانوا مؤمنين به قبل بعثه ، وكانوا يشهدون له بالنبوة ، فلما بعث ، وجاءهم بالبينات والمعجزات كفروا بغيا وحسدا (٢).
الثالث : نزلت في الحرث بن سويد الأنصاري حين ندم على ردّته ، فأرسل إلى قومه أن سلوا : هل لي من توبة؟ فأرسل إليه أخوه بالآية ، فأقبل إلى المدينة ، وتاب ، وقبل الرسول صلىاللهعليهوسلم توبته. قال (٣) القفال : للناس في هذه الآية قولان :
__________________
ـ الحافظ ص ٦٢٨ ، ولسان العرب ٩ / ١٩٥ (صفف) ، ١٥ / ١٦ (طها) والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٦ ، والاشتقاق ص ٢٣٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤١ ، والدر المصون ٢ / ١٦٢.
(١) ذكره الرازي في التفسير الكبير ٨ / ١١١.
(٢) ينظر الرازي في التفسير الكبير ٨ / ١١١.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٥٧٣) ومسدد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (٣ / ٣١٤) رقم (٣٥٦٩) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨٧) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر والباوردي في «معرفة الصحابة».