فالجواب : أن الأول مخصوص بالمرتد ، والثاني عمّ ذلك الحكم في المرتد والكافر الأصلي ، وسمي الكافر ظالما ؛ لقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] والسبب فيه أن الكافر أورد نفسه موارد البلاء والعقاب ؛ بسبب ذلك الكفر ، فكان ظالما لنفسه.
قال القرطبي : «فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ، ومن كان ظالما لا يهديه الله ، وقد رأينا كثيرا من المرتدين أسلموا وهداهم الله ، وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظّلم.
فالجواب : أن معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون على الإسلام ، فأما من أسلموا وتابوا فقد وفّقهم الله لذلك».
قوله تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٨٩)
وفي قوله : (جَزاؤُهُمْ) وجهان :
أحدهما : أن يكون مبتدأ ثانيا ، و (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) في محل رفع ؛ خبرا ل «جزاؤهم» والجملة خبر ل «أولئك».
والثاني : أن يكون «جزاؤهم» بدلا من «أولئك» بدل اشتمال ، و (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) خبر «أولئك».
وقال هنا : (جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) وقال ـ هناك ـ : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) [البقرة : ١٦١] دون «جزاؤهم» قيل : لأن هناك وقع الإخبار عمن توفّي على الكفر ، فمن ثمّ حتم الله عليه اللعنة ، بخلافه هنا ، فإن سبب النزول في قوم ارتدوا ثم رجعوا للإسلام ، ومعنى : «جزاؤهم» أي : جزاء كفرهم وارتدادهم ، وتقدم القول في قراءة الحسن «النّاس أجمعون» وتخريجها.
قوله : «خالدين» حال من الضمير في «عليهم» والعامل فيها الاستقرار ؛ أو الجارّ ؛ لقيامه مقام الفعل ، والضمير في «فيها» للّعنة ، ومعنى الخلود في اللعن فيه وجهان :
الأول : أنهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون ، ومن معهم في النار ، ولا يخلو حال من أحوالهم من اللعنة.
الثاني : أن اللّعن يوجب العقاب ، فعبّر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن ، ونظيره قوله : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ) وقال ابن عباس : قوله : «خالدين فيها» أي في «جهنم» ، فعلى هذا الكناية عن غير مذكور. و (لا يُخَفَّفُ) جملة حالية أو مستأنفة ، و (إِلَّا الَّذِينَ) استثناء متصل.