واحدة في الجنّة ، وسائرهم في النّار ، ولتزيدنّ عليهم هذه الأمة واحدة ، واحدة في الجنّة وسائرهم في النّار (١).
فصل
لما بيّن الله تعالى أن الزائغين يتّبعون المتشابه بيّن أنّ لهم فيه غرضين :
الأول : ابتغاء الفتنة.
والثاني : ابتغاء التأويل.
أما الفتنة فقال الربيع والسدي : الفتنة : طلب الشرك (٢).
وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات واللّبس ، ليضلوا بها جهّالهم (٣).
وقال الأصم : متى وقعوا في المتشابهات ، صار بعضهم مخالفا للبعض في الدين ، وذلك يفضي إلى التقاتل ، والهرج والمرج.
وقيل : المتمسك بالمتشابه يقرّر البدع والأباطيل في قلبه ، فيصير مفتونا بذلك الباطل ، عاكفا عليه ، لا يقلع (٤) عنه بحيلة ألبتة لأن الفتنة في اللغة : التوغّل في محبة الشيء ، يقال : فلان مفتون بطلب الدنيا ، أي : موغل في طلبها.
وقيل : الفتنة في الدين هي الضلال عنه ، [ومعلوم أنه لا فتنة ، ولا فساد أعظم من الفتنة في الدين والفساد فيه](٥).
وأما التأويل فقد ذكرنا تفسيره في اللغة ، والفرق بينه وبين التفسير.
قد يسمى التفسير تأويلا قال تعالى : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٨] ، وقال : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [الإسراء : ٣٥] ، وذلك لأنه إخبار عما يرجع إليه اللفظ من المعنى ، والمراد منه : أنهم يطلبون التأويل الذي ليس (٦) عليه دليل من كتاب الله تعالى ولا بيان ، كطلبهم أن الساعة متى تقوم؟ وأن مقادير الثواب والعقاب للمطيع والعاصي كم تكون (٧)؟
__________________
(١) أخرجه الطبراني (٨ / ٣٢٨) والحارث بن أبي أسامة كما في «المطالب العالية» (٣ / ٨٦ ـ ٨٧) رقم (٢٩٥٤).
وذكره الهيثمي مختصرا في «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٥٨) وقال : رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره وبقية رجال الأوسط ثقات وكذلك أحد إسنادي الكبير.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٩٦) عن السدي والربيع وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٣٩٨).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٦٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد عن مجاهد. وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٤٠٠) والبغوي (١ / ٢٧٩).
(٤) في أ : ينقطع.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : له.
(٧) في أ : لم.