وهو بعيد في التركيب ، وإن كان قريب المعنى.
قال أبو حيان : «وينبو عن هذا المعنى هذا التركيب إذ لو أريد هذا المعنى لم يؤت باسم الإشارة».
فإن قيل : قوله : «وأولئك هم الضالون» ظاهره ينفي عدم كون غيرهم ضالا ، وليس الأمر كذلك ؛ بل كل كافر ضال ، سواء كفر بعد الإيمان ، أو كان كافرا في الأصل ، فالجواب : هذا محمول على أنهم هم الضالون على سبيل الكمال.
فإن قيل : إنه وصفهم ـ أولا ـ بالكفر والغلوّ فيه ، ثم وصفهم ـ ثانيا ـ بالضلال ، والكفر أقبح أنواع الضلالة ، والوصف إنما يراد للمبالغة ، والمبالغة إنما تحصل بوصف الشيء بما هو أقوى منه حالا ، لا بما هو أضعف حالا منه.
فالجواب : قد ذكرنا أن المراد منه : أنهم هم الضالّون على سبيل الكمال ، وحينئذ تحصل المبالغة.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)(٩١)
اعلم أن الكافر على ثلاثة أقسام :
الأول : الذي يتوب عن الكفر توبة صحيحة مقبولة ، وهو المراد بقوله : «إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا».
الثاني : الذي يتوب عن الكفر توبة فاسدة ، وهو المذكور في الآية المتقدمة ، وقال : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ).
الثالث : الذي يموت على الكفر من غير توبة ، وهو المذكور في هذه الآية ، وقد أخبر عن هؤلاء بثلاثة أشياء :
أحدها : قوله : «فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا» قد تقدم أن عكرمة يقرأ : «نقبل ملء» بالنون مفعولا به.
وقرأ بعضهم (١) «فلن يقبل» ـ بالياء من تحت مبنيّا للفاعل وهو الله تعالى ، «ملء» بالنصب كما تقدم.
وقرأ أبو جعفر وأبو السّمّال (٢) «مل الأرض» بطرح همزة «ملء» ، نقل حركتها إلى الساكن قبلها.
__________________
(١) انظر : الكشاف ١ / ٣٨٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٤٣ ، والدر المصون ٢ / ١٦٣.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٧٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٤٣ ، والدر المصون ٢ / ١٦٣ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٨٥.