وأما النول ـ بالواو ـ فمعناه التناول ، يقال : نلته ، أنوله ، أي تناولته ، وأنلته زيدا ، وأنوله إياه ، أي ناولته إياه ، كقولك : عطوته ، أعطوه ، بمعنى : تناولته ، وأعطيته إياه ـ إذا ناولته إياه.
قوله : (حَتَّى تُنْفِقُوا) بمعنى إلى أن ، و «من» في (مِمَّا تُحِبُّونَ) تبعيضية يدل عليه قراءة عبد الله : بعض ما تحبون (١).
قال شهاب الدين (٢) : «وهذه ـ عندي ـ ليست قراءة ، بل تفسير معنى».
وقال آخرون : «إنها للتبيين».
[وجوز أبو البقاء ذلك فقال : «أو نكرة موصوفة ولا تكون مصدرية ؛ لأن المحبة لا تنفق ، فإن جعلت المحبة بمعنى : المفعول ، جاز على رأي أبي علي» يعني يبقى التقدير : من الشيء المحبوب ، وهذان الوجهان ضعيفان والأول أضعف](٣).
فصل
لما بيّن أن نفقتهم لا تنفع ذكر ـ هنا ـ ما ينفع ، فإن من أنفق مما يحبّ كان من جملة الأبرار المذكورين في قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار : ١٣] ، وغيرها.
قال ابن الخطيب : «وفي هذا لطيفة ، وهي أنه ـ تعالى ـ قال في سورة البقرة ـ : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ١٧٧] وقال ـ هنا ـ (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) والمعنى : لو فعلتم ذلك المتقدم كله ، لا تفوزون بالبر حتى تنفقوا مما تحبّون ، وذلك يدل على أن النفقة من أفضل الطاعات.
فإن قيل : «حتى» لانتهاء الغاية ، فتقتضي الآية أن من أنفق مما يحب ، صار من جملة الأبرار ، ونال البر وإن لم يأت بسائر الطاعات.
فالجواب : أن المحبوب إنما ينفق إذا طمع المنفق فيما هو أشرف منه ، فلا ينفق المرء في الدنيا إلا إذا أيقن سعادة الآخرة ، وذلك يستلزم الإقرار بالصانع ، وأنه يجب عليه الانقياد لأوامره وتكاليفه ، وذلك يعتمد تحصيل جميع الخصال المحمودة في الدين».
فصل
قال ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد : البرّ : الجنة (٤).
__________________
(١) انظر : البحر المحيط ٢ / ٥٤٦ ، والدر المصون ٢ / ١٦٦.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٦٦.
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٨٧) عن السدي وعمرو بن ميمون وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٥٤٦) عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدي وعمرو بن ميمون.
وانظر تفسير البغوي (١ / ٣٢٥) وفتح القدير (١ / ٣٦٠) وزاد المسير (١ / ٤٢٠).