تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة : ١٩٧] ، وقوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة : ٢٧] أي : يبينه ويجازيكم على قدره.
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٩٤)
الحلّ بمعنى : الحلال ، وهو ـ في الأصل ـ مصدر ل «حلّ يحلّ» ، كقولك : عز يعز عزّا ، ثم يطلق على الأشخاص ، مبالغة ، ولذلك يستوي فيه الواحد والمثنّى والمجموع ، والمذكّر والمؤنث ، كقوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] ، وفي الحديث عن عائشة : «كنت أطيّب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحلّه ولحرمه» ، أي لإحلاله ولإحرامه ، وهو كالحرم واللبس ـ بمعنى : الحرام واللباس ـ وقال ابن عباس ـ في زمزم ـ : هي حلّ وبلّ (١). رواه سفيان بن عيينة ، فسئل سفيان ، ما حلّ؟ فقال : محلّل. و «لبني» : متعلق ب «حلّا».
قوله : (إِلَّا ما حَرَّمَ) مستثنى من اسم «كان».
وجوّز أبو البقاء (٢) أن يكون مستثنى من ضمير مستتر في «حلّا» فقال لأنه استثناء من اسم «كان» والعامل فيه : «كان» ، ويجوز أن يعمل فيه «حلّا» ، ويكون فيه ضمير يكون الاستثناء منه ؛ لأن حلّا وحلالا في موضع اسم الفاعل بمعنى الجائز والمباح.
وفي هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه متّصل ، والتقدير : إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، فحرم عليهم في التوراة ، فليس فيها ما زادوه من محرمات ، وادّعوا صحة ذلك.
والثاني : أنه منقطع ، والتقدير : لكن حرم إسرائيل على نفسه خاصّة ، ولم يحرمه عليهم ، والأول هو الصحيح.
قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب «حرّم» أي : إلا ما حرّم من قبل ، قاله أبو البقاء (٣).
قال أبو حيان : «ويبعد ذلك ؛ إذ هو من الإخبار بالواضح ؛ لأنه معلوم أن الذي حرّم إسرائيل على نفسه ، هو من قبل إنزال التوراة ضرورة ؛ لتباعد ما بين وجود إسرائيل وإنزال التوراة».
والثاني : أنه يتعلق بقوله : (كانَ حِلًّا).
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره ٨ / ١٢١.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٤٣.
(٣) ينظر المصدر السابق.