فصل
الطعام : اسم لكل ما يؤكل ويطعم.
وزعم بعض الحنفيّة : أنه اسم للبرّ خاصّة ، وهذه الآية حجّة عليهم ؛ لأنه استثنى من لفظ «الطّعام» : ما حرم إسرائيل على نفسه ، وأجمع المفسرون على أن ذلك الذي حرّمه على نفسه كان غير الحنطة وما يتّخذ منها ، ويؤكد ذلك قوله ـ في صفة الماء ـ : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩] ، وقوله : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة : ٥٥] ، وأراد الذبائح ، وقالت عائشة : «ما لنا طعام إلّا الأسودان» (١) والمراد: التمر والماء.
فصل في المراد بالذي حرم إسرائيل على نفسه
اختلفوا في الذي حرّمه إسرائيل على نفسه وفي سببه :
قال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبيّ : روى ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ يعقوب مرض مرضا شديدا ، فنذر لئن عافاه الله ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشّراب إليه ، وكان ذلك لحمان الإبل وألبانها» (٢).
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسّدّيّ والضّحّاك : هي العروق ، وكان السبب فيه ، أنه اشتكى عرق النسا ، وكان أصل وجعه (٣) ـ فيما روى جويبر ومقاتل عن الضحاك ـ أن يعقوب كان قد نذر إن وهبه الله اثني عشر ولدا ، وأتى بيت المقدس صحيحا ، أن يذبح آخرهم ، فتلقاه ملك من الملائكة ، فقال : يا يعقوب ، إنك رجل قويّ ، فهل لك في الصّراع؟ فصارعه فلم يصرع واحد منهما صاحبه ، فغمزه الملك غمزة ، فعرض له عرق النسا من ذلك ، ثم قال له الملك : أما إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ، ولكن غمزتك هذه الغمزة ؛ [لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا أن تذبح آخر ولدك ، فجعل الله له بهذه الغمزة] مخرجا ، فلما قدم يعقوب بيت المقدس أراد ذبح ولده ، ونسي قول الملك ، فأتاه الملك ، وقال : إنما غمزتك للمخرج ، وقد وفى نذرك ، فلا سبيل لك إلى ولدك.
وقال عباس ومجاهد وقتادة والسّدّيّ : أقبل يعقوب من : «حرّان» يريد بيت
__________________
(١) أخرجه البخاري (٥ / ٢٣٣) كتاب الهبة : باب (١) حديث (٢٥٦٧) ومسلم (٤ / ٢٢٨٣) كتاب الزهد ، باب (١) رقم (٢٨ / ٢٩٧٢) من حديث عائشة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠) عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١١) والحاكم (٢ / ٢٩٢) وصححه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٩١) وعزاه لعبد بن حميد والفريابي والبيهقي وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وأخرجه الطبري (٧ / ١٢ ـ ١٣) عن قتادة والسدي ومجاهد والضحاك.