وقال السدي : حرم الله عليهم في التوراة ما كانوا يحرّمونه قبل نزولها.
قال ابن عطية : إنما كان محرّما عليهم بتحريم إسرائيل ؛ فإنه كان قد قال : إن عافاني الله لا يأكله لي ولد ، ولم يكن محرّما عليهم في التوراة.
وقال الكلبي : لم يحرّمه الله عليهم في التوراة ، وإنما حرّم عليهم بعد التوراة بظلمهم ، كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] ، وقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦] روي أن بني إسرائيل كانوا إذا أتوا بذنب عظيم ، حرّم الله عليهم نوعا من أنواع الطعام ، أو سلط عليهم سببا لهلاك أو مضرّة.
وقال الضحاك : لم يكن شيئا من ذلك محرّما عليهم ، ولا حرّمه الله في التوراة ، وإنما حرموه على أنفسهم ؛ اتباعا لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله ـ عزوجل ـ فكذبهم الله ، فقال : «قل» : يا محمد (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) حتى يتبين أنه كما قلتم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ،) فلم يأتوا بها ، فقال ـ الله عزوجل ـ : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ،) «من» يجوز أن تكون شرطيّة ، أو موصولة ، وحمل على لفظها في قوله : «افترى» فوحّد الضمير ، وعلى معناها فجمع في قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ،) والافتراء مأخوذ من الفري ، وهو القطع ، والظالم هو الذي يضع الشيء في غير موضعه.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : من بعد ظهور الحجة ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المستحقون لعذاب الله.
قوله : (مِنْ بَعْدِ) فيه وجهان :
أحدهما : ـ وهو الظاهر ـ : أن يتعلق ب «افترى».
الثاني : قال أبو البقاء : يجوز أن يتعلق بالكذب ، يعني : الكذب الواقع من بعد ذلك.
وفي المشار إليه ثلاثة أوجه :
أحدهما : استقرار التحريم المذكور في التوراة عليهم ؛ إذ المعنى : إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ، ثم حرم في التوراة ؛ عقوبة لهم.
الثاني : التلاوة ، وجاز تذكير اسم الإشارة ؛ لأن المراد بها بيان مذهبهم.
الثالث : الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه ، وهذه الجملة ـ أعني : قوله : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ـ) يجوز أن تكون استئنافية ، فلا محل لها من الإعراب ، ويجوز أن تكون منصوبة المحل ؛ نسقا على قوله : (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ ،) فتندرج في المقول.
قوله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٩٥)
أي قل لهم.