والعامة على إظهار لام «قل» مع الصاد.
وقرأ أبان بن تغلب (١) بإدغامها فيها ، وكذلك أدغم اللام في السين في قوله : (قُلْ سِيرُوا) [الأنعام : ١١] وسيأتي أن حمزة والكسائيّ وهشاما أدغموا اللام في السين في قوله : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ) [يوسف : ١٨].
قال أبو الفتح : «علّة ذلك فشوّ هذين الحرفين في الضم ، وانتشار الصوت المنبثّ عنهما ، فقاربتا بذلك مخرج اللام ، فجاز إدغامها فيهما» ، وهو مأخوذ من كلام سيبويه ، فإن سيبويه قال : «والإدغام ، يعني : إدغام اللام مع الصاد والطاء وأخواتهما ، جائز ، وليس ككثرته مع الراء ؛ لأن هذه الحروف تراخين عنها ، وهن من الثنايا ؛ قال : وجواز الإدغام أنّ آخر مخرج اللام قريب من مخرجها». انتهى.
قال أبو البقاء عبارة توضّح ما تقدم ، وهي : «لأن الصاد فيها انبساط ، وفي اللام انبساط ، بحيث يتلاقى طرفاهما ، فصارا متقاربين». وقد تقدم إعراب قوله : ملة إبراهيم حنيفا.
فصل
(قُلْ صَدَقَ اللهُ) يحتمل وجوها :
أحدها : قل : صدق الله في أن ذلك النوع من الطعام ، صار حراما على بني إسرائيل ، وأولاده بعد أن كان حلالا لهم ، فصحّ القول بالنسخ ، وبطلت شبهة اليهود.
وثانيها : قل : صدق الله في أن لحوم الإبل ، وألبانها كانت محلّلة لإبراهيم ، وإنما حرّمت على بني إسرائيل ؛ لأن إسرائيل حرّمها على نفسه ، فثبت أن محمدا لما أفتى بحلّ لحوم الإبل ، وألبانها ، فقد أفتى بملة إبراهيم.
وثالثها : صدق الله في أن سائر الأطعمة ، كانت محلّلة لبني إسرائيل ، وإنما حرّمت على اليهود ؛ جزاء على قبائح أفعالهم.
وقوله : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي : اتبعوا ما يدعوكم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم من ملة إبراهيم.
وسواء قال : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أو قال : «ملة إبراهيم الحنيف» ؛ لأن الحال والصفة في المعنى سواء.
وقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : لم يدع مع الله إلها آخر ، كما فعله العرب من عبادة الأوثان ، أو كما فعله اليهود من أن عزيرا ابن الله ، أو كما فعله النصارى من ادّعاء أن المسيح ابن الله.
والمعنى : إن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لم يكن من الطائفة المشركة في وقت من
__________________
(١) انظر : الشواذ ٢١ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٧٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٦ ، والدر المصون ٢ / ١٦٧.