الأوقات ، والغرض منه بيان أن محمدا صلىاللهعليهوسلم على دين إبراهيم في الفروع والأصول ؛ لأن محمّدا صلىاللهعليهوسلم لا يدعو إلا إلى التوحيد ، والبراءة عن كل معبود سوى الله تعالى.
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٩٧)
في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه :
الأول : أن المراد منه : الجواب عن شبهة أخرى من شبه اليهود في إنكار نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك لأنه صلىاللهعليهوسلم لمّا حوّل إلى الكعبة ، طعن اليهود في نبوّته ، وقالوا : إنّ بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالاستقبال ؛ لأنه وضع قبل الكعبة ، وهو أرض المحشر ، وقبلة جملة الأنبياء ، وإذا كان كذلك فتحويل القبلة منه إلى الكعبة باطل ، وأجابهم الله بقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) هو الكعبة ، فكان جعله قبلة أولى.
الثاني : أن المقصود من الآية المتقدمة بيان النسخ ، هل يجوز أم لا؟ واستدلّ ـ عليهالسلام ـ على جوازه ، بأن الأطعمة كانت مباحة لبني إسرائيل ، ثم إن الله تعالى حرّم بعضها ، والقوم نازعوه فيه ، وأعظم الأمور التي أظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم نسخه هو القبلة ، فذكر الله ـ في هذه الآيات ـ بيان ما لأجله حوّلت القبلة إلى الكعبة ، وهو كون الكعبة أفضل من غيرها.
الثالث : أنه ـ تعالى ـ لما قال في الآية المتقدمة : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ،) وكان من أعظم شعائر ملة إبراهيم الحجّ ـ ذكر في هذه الآية فضل البيت ؛ ليفرّع عليه إيجاب الحجّ.
الرابع : أنه لما تقدّم مناظرة اليهود والنصارى ، وزعموا أنهم على ملة إبراهيم ، فبيّن الله كذبهم في هذه الآية من حيث إن حجّ الكعبة كان ملة إبراهيم ، وهم لا يحجّون ، فدل ذلك على كذبهم.
قوله : (وُضِعَ لِلنَّاسِ) هذه الجملة في موضع خفض ؛ صفة ل «بيت».
وقرأ العامة (وُضِعَ) مبنيّا للمفعول. وعكرمة وابن السميفع «وضع» مبنيّا للفاعل(١).
وفي فاعله قولان :
أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ أنه ضمير إبراهيم ؛ لتقدّم ذكره ؛ ولأنه مشهور بعمارته.
والثاني : أنه ضمير الباري تعالى ، و «للنّاس» متعلق بالفعل قبله ، واللام فيه للعلة.
و «للذي ببكّة» خبر «إنّ» وأخبر ـ هنا ـ بالمعرفة ـ وهو الموصول ـ عن النكرة ـ
__________________
(١) انظر : البحر المحيط ٣ / ٧ ، والدر المصون ٢ / ١٦٨.