وجهها ـ وكتبوا بذلك إلى عمر ، فأقبل عمر من المدينة فزعا ، فدخل بعمرة في شهر رمضان ، وقد غبّي موضعه ، وعفاه السيل ، فجمع عمر الناس ، وسألهم عن موضعه ، وتشاوروا عليه حتى اتفقوا على موضعه الذي كان فيه ، فجعله فيه ، وعمل عمر الردم ، لمنع السيل ، فلم يعله سيل بعد ذلك إلى الآن.
ثم بعث أمير المؤمنين المهدي ألف دينار ليضبّبوا بها المقام ـ وكان قد انثلم ـ ثم أمر المتوكل أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب ـ أحسن بذلك العمل ـ فعمل في مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين ، فهو الذهب الذي عليه اليوم ، وهو فوق الذي عمله المهدي.
فصل
قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
قال الحسن وقتادة : كانت العرب ـ في الجاهلية ـ يقتل بعضهم بعضا ، ويغير بعضهم على بعض ، ومن دخل الحرم أمن من القتل والغارة (١) ، وهذا قول أكثر المفسرين ، لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧].
وقيل : أراد به أن من دخله عام عمرة القضاء مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان آمنا ، كما قال تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [الفتح : ٢٧].
وقال الضّحّاك : من حجّه كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك.
وقيل : معناه : من دخله معظّما له ، متقرّبا إلى الله ـ عزوجل ـ كان آمنا يوم القيامة من العذاب.
وقيل : هو خبر بمعنى الأمر ، تقديره : ومن دخله فأمّنوه ، كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ) [البقرة : ١٩٧] ، أي : لا ترفثوا ، ولا تفسقوا ، ولا تجادلوا.
فصل
قال أبو بكر الرازي : لما كانت الآيات المذكورة عقيب قوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) موجودة في جميع الحرم ، ثم قال : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ،) وجب أن يكون مراده جميع الحرم ، وأجمعوا على أنه لو قتل في الحرم ، فإنه يستوفى القصاص منه في الحرم ، وأجمعوا على أن الحرم لا يفيد الأمان فيما سوى النفس ، إنما الخلاف فيما إذا وجب القصاص عليه خارج الحرم ، فالتجأ إلى الحرم ، فهل يستوفى منه القصاص في الحرم؟
فقال الشافعي : يستوفى.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٩) عن قتادة والحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٩٧) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.