هذا النّصّ ، فلا يبقى في النص دلالة على قولهم ، ويتأكد هذا بأن حمل النّصّ على هذا الوجه ، لا يفضي إلى تخصيص النصوص الدالة على وجوب القصاص ، وحمله على ما قالوه يفضي إلى ذلك ، فكان قولنا أولى.
قوله : «ولله على الناس حج البيت» لمّا ذكر فضائل البيت ومناقبه ، أردفه بذكر إيجاب الحج إليه.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم : (حِجُّ الْبَيْتِ)(١) ـ بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة ، وتقدم في البقرة في الشاذ بكسر الحاء ـ وتقدم هناك اشتقاق المادة ـ والباقون بفتحها ـ وهي لغة أهل الحجاز والعالية والكسر لغة نجد ؛ وهما جائزان مطلقا في اللغة مثل رطل ورطل ، وبذر وبذر ، وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد.
وقيل : المكسور اسم للعمل ، والمفتوح المصدر.
وقال سيبويه : يجوز أن تكون المكسورة ـ أيضا ـ مصدرا كالذّكر والعلم.
فصل
الحج أحد أركان الإسلام ؛ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلا» (٢).
ويشترط لوجوبه خمسة شروط : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرّيّة ، والاستطاعة.
فصل
احتجوا بهذه الآية على أن الكفّار مخاطبون بفروع الإسلام ؛ لأن ظاهر قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) يعم المؤمن والكافر ، وعدم الإيمان لا يصلح معارضا ، ومخصّصا ، لهذا العموم ؛ لأن الدهريّ مكلّف بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم مع أن الإيمان بالله الذي هو شرط لصحة الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، غير حاصل ، والمحدث مكلّف بالصلاة ، مع أن الوضوء الذي هو شرط لصحة الصلاة ، غير حصل ، فلم يكن عدم الشرط مانعا من كونه مكلّفا بالمشروط. فكذا هاهنا.
فصل
قال القرطبي : دلّ الكتاب والسنة على أن الحجّ على التراخي ، وهو أحد قولي مالك ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن ، وأبي يوسف في رواية عنه ، وذهب بعض
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٤ ، والكشف ١ / ٢٥٣ ، والحجة ٣ / ٧١ ، والعنوان ٨٠ وحجة القراءات ١٧٠ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٧ ، وشرح شعلة ٣٢٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٢ ، وإتحاف ١ / ٤٨٥.
(٢) تقدم.