الأول : من جهة السند.
الثاني : أن حصول الزاد والراحلة قد لا يكفي ، فلا بد من اعتبار صحة البدن ، وعدم الخوف ، وهذا ليس في الأخبار ، فظاهرها يقتضي أن لا يكون شيء من ذلك معتبرا.
الوجه الثالث : اعتبار وفاء الدين ، ونفقة عياله ، ورد الودائع.
وأجيبوا بأنه يفضي إلى معارضة قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].
فصل
احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية على أن الاستطاعة قبل الفعل ، فقالوا : لأنه لو كانت الاستطاعة مع الفعل لكان من لم يحج لم يكن مستطيعا للحج ومن لم يكن مستطيعا لا يتناوله التكليف المذكور في هذه الآية ، فيلزم منه أن كل من لم يحج لا يصير مأمورا بالحجّ بهذه الآية ، وذلك باطل.
وأجيبوا بأن هذا ـ أيضا ـ يلزمهم ؛ لأن القادر إما أن يصير مأمورا بالفعل قبل حصول الداعي إلى الفعل ، أو بعد حصوله ، أما قبل حصول الداعي ، فمحال ؛ لأن قبل حصول الداعي يمتنع حصول الفعل ، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق ، وأما بعد حصول الداعي ، فالفعل يصير واجب الحصول ، فلا يكون في التكليف به فائدة ، وإذا كانت الاستطاعة منفية في الحالتين ، وجب ألا يتوجه التكليف المذكور في هذه الآية على أحد.
فصل
إذا كان عاجزا بنفسه ؛ لكونه زمنا ، أو مريضا مرضا لا يرجى برؤه ـ وله مال يمكن أن يستأجر من يحجّ عنه ـ وجب عليه أن يستأجر ، لما روى عبد الله بن عباس ، قال : كان الفضل بن عباس ردف النبي صلىاللهعليهوسلم فجاءته امرأة من خثعم ، تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها ، وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا ، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحجّ عنه؟ قال : نعم.
وقال مالك : لا يجب عليه ، وهذا هو المعضوب ، والعضب : القطع ، وبه سمّي السيف عضبا ، فكأن من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة ، ولا يثبت عليها بمنزلة من قطعت أعضاؤه ، أو لا يقدر على شيء.
وإن لم يكن له مال لكن بذل له ولده ، أو أجنبي ، الطاعة في أن يحج عنه ، فهل يلزمه [أن يأمره] إذا كان يعتمد صدقه؟
وفي المسألة خلاف ، فالقائل بالوجوب قال : لأن وجوب الحج معلق بالاستطاعة ،