فالجواب قال القفال المراد منه التغليظ ، أي : قد قارب الكفر ، وعمل ما يعمله من كفر بالحج كقوله : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] أي : كادت تبلغ.
وكقوله عليهالسلام ـ : «من ترك الصلاة متعمّدا فقد كفر» (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر» (٢).
وأما الأكثرون فهم الذين حملوا هذا الوعيد على تارك اعتقاد وجوب الحج.
قال الضحاك : لما نزلت آية «الحج» ، جمع الرسول صلىاللهعليهوسلم أهل الأديان الستة : المسلمين ، والنصارى ، واليهود ، والصابئين ، والمجوس ، والمشركين ، فخاطبهم ، وقال : «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» فآمن به المسلمون ، وكفرت به الملل الخمس ، وقالوا : لا نؤمن به ، ولا نصلي إليه ، ولا نحجه ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٩٩)
في كيفية النظم وجهان :
__________________
(١) ذكره الحافظ في التلخيص ٢ / ١٤٨ وقال : رواه البزار من حديث أبي الدرداء ... وفي إسناده ضعف. وله شاهد من حديث الربيع بن أنس ، عن أنس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من ترك الصلاة متعمدا ، فقد كفر جهارا» سئل الدارقطني في العلل عنه ، فقال : رواه أبو النضر عن أبي جعفر عن الربيع موصولا ، وخالفه علي بن الجعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع مرسلا وهو أشبه بالصواب ، وفي الباب عن أبي هريرة رواه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة أحمد بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه رفعه : «تارك الصلاة كافر» واستنكره ، ورواه أبو نعيم من طريق إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد مثل حديث أنس ، وعطية ضعيف ، وإسماعيل أضعف منه ، وأصح ما فيه حديث جابر ، بلفظ : «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، ورواه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الحصيب نحوه ، وروى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق العقيلي قال : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة ، ورواه الحاكم من هذا الوجه ، فقال عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة ، وصححه على شرطهما (فائدة) أول ابن حبان الأحاديث المذكورة فقال : إذا اعتاد المرء ترك الصلاة ارتقى إلى ترك غيرها من الفرائض ، وإذا اعتاد ترك الفرائض أداه ذلك إلى الجحد ، قال : فأطلق اسم النهاية التي هي آخر شعب الكفر على البداية التي هي أولها.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٩٠٤) والترمذي (١ / ٢٩) وابن ماجه (٦٣٩) والدارمي (١ / ٢٥٩) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٢٦) وابن الجارود في «المنتقى» (١٠٧) والبيهقي (٧ / ١٩٨) وأحمد (٢ / ٤٠٨ ، ٤٧٦) من طرق عن حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة وللحديث طريق آخر :
أخرجه أحمد (٢ / ٤٢٩) والحاكم (١ / ٨) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.