الأول : أنه ـ تعالى ـ لما أورد الدلائل على نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، مما ورد في التوراة ، والإنجيل ، عقّب ذلك بشبهات القوم من إنكار النّسخ ، واستقبال الكعبة في الصلاة ، ووجوب حجّها ، وأجاب عن هاتين الشّبهتين بقوله (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣] وبقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) [آل عمران : ٩٦] فلما تمّ الاستدلال خاطبهم ـ بعد ذلك ـ بالكلام اللّيّن ، وقال : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) بعد ظهور البينات؟
الثاني : أنه ـ تعالى ـ لما بيّن فضائل الكعبة ووجوب الحجّ ـ والقوم كانوا عالمين بأن هذا هو الدين الحق ـ قال لهم : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) بعد أن علمتم كونها حقّا صحيحة؟
واعلم : أن المبطل قد يكون ضالّا مضلّا فقط ، وقد يكون ضالّا مضلّا ، والقوم كانوا موصوفين بالأمرين جميعا ، فبدأ ـ تعالى ـ بالإنكار على أهل الصفة الأولى ـ على سبيل الرفق ـ فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ)؟
قال الحسن : هم العلماء من أهل الكتاب ، الذين علموا صحة نبوته ؛ لقوله : (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ).
وقال آخرون : المراد : أهل الكتاب كلهم.
فإن قيل : لماذا خصّ أهل الكتاب دون سائر الكفار؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أنا بيّنّا أنه ـ تعالى ـ أورد الدليل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم أجاب عن شبهتهم في ذلك ، فلمّا تمّ ذلك خاطبهم ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ).
والثاني : أن معرفتهم بآيات الله أقوى ؛ لتقدّم اعترافهم بالتوحيد ، وأصل النبوة ، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة بصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والبشارة بنبوته.
والمراد بآيات الله : الآيات التي نصبها الله ـ تعالى ـ على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بكفرهم بها كفرهم بدلالتها على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
فصل
قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أن الكفر من قبلهم ـ حتى يصحّ هذا التوبيخ ، ولذلك لا يصح توبيخهم على طولهم ، وصحّتهم ، ومرضهم.
وأجيبوا بالمعارضة بالعلم والداعي.
قوله : (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) الواو للحال ، والمعنى : لم تكفرون بآيات الله التي