قيل : يا رسول الله ، وما الغراب الأعصم؟ قال «الّذي في أحد جناحيه بياض» (١).
وفي الحديث : كنا مع عمرو بن العاص ، فدخلنا شعبا ، فإذا نحن بغربان ، وفيهن غراب أحمر المنقار أحمر الرّجلين ، فقال عمرو : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا يدخل الجنّة من النّساء إلّا بقدر هذا من الغربان» (٢) والمراد منه : التقليل.
قوله : «فقد هدي» جواب الشرط ، وجيء في الجواب ب «قد» دلالة على التوقّع ؛ لأن المعتصم متوقع الهداية.
والمعنى : ومن يمتنع بدين الله ، ويتمسك بدينه ، وطاعته ، فقد هدي إلى صراط مستقيم واضح. وفسره ابن جرير ومن يعتصم بالله أي : يؤمن بالله.
فصل
احتجوا بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ؛ لأنه جعل اعتصامهم هداية من الله تعالى ، والمعتزلة ذكروا فيه وجوها :
أحدها : أن المراد بهذه الهداية الزيادة في الألطاف المرتبة على أداء الطاعات ، كقوله تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) [المائدة : ١٦] وهذا اختيار القفال.
الثاني : أن التقدير : ومن يعتصم بالله فنعم ما فعل ؛ فإنه إنما هدي إلى الصراط المستقيم ، ليفعل ذلك.
الثالث : أن التقدير : ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى طريق الجنة.
الرابع : قال الزّمخشريّ : «فقد هدي» أي : فقد حصل له الهدى ـ لا محالة ـ كما تقول : إذا جئت فلانا فقد أفلحت ، كأن الهدى قد حصل ، فهو يخبر عنه حاصلا ؛ لأن المعتصم بالله متوقّع للهدى ، كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٠٢) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ
__________________
(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٨ / ٢٣٨) وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب العالية (٢ / ٥٧) رقم (١٦٣٦) عن أبي أمامة.
وذكره الحافظ العراقي في تخريج الإحياء ، وقال : رواه الطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف.
والحديث أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٧٣) وقال : وفيه مطرح بن يزيد وهو مجمع على ضعفه.
(٢) أخرجه أحمد (٤ / ٢٠٥) والنسائي في «الكبرى» (٥ / ٤٠٠) والطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٧٧) عن عمرو بن العاص وذكره العراقي في تخريج الإحياء (٢ / ٤٥) وقال : وإسناده صحيح وقال الهيثمي (٤ / ٢٧٧) : رواه الطبراني واللفظ له وأحمد ورجال أحمد ثقات.