اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٠٥)
لما حذر المؤمنين من إضلال الكفّار ، أمرهم في هذه الآيات بمجامع الطاعات ، فأمرهم ـ أولا ـ بتقوى الله ، وثانيا ـ بالاعتصام بحبل الله ، وثالثا ـ بالاجتماع والتأليف ، ورابعا ـ بالترغيب بقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
والسبب في هذا الترتيب أن فعل الإنسان ، لا بد وأن يكون معلّلا إما بالرهبة ، وإما بالرغبة ، والرهبة مقدمة على الرغبة ؛ لأن دفع الضرر مقدّم على جلب النّفع ، فقوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) إشارة إلى التخويف من عقاب الله ، ثم جعله سببا للتمسك بدين الله والاعتصام بحبله ، ثم أردفه بالرغبة ، فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) فكأنه قال : خوف الله يوجب ذلك ، وكثرة نعم الله توجب ذلك ، فلم تبق جهة من الجهات الموجبة للفعل إلا وهي حاصلة في وجوب انقيادكم لأمر الله تعالى ، ووجوب طاعتكم لحكمه.
فصل
قال بعض العلماء : هذه الآية منسوخة ؛ لما روي عن ابن عباس أنه لمّا نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين ؛ لأن حقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى طرفة عين ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى ـ والعباد لا طاقة لهم بذلك ، فنزل : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] ، فنسخت أول هذه الآية (١) ، ولم ينسخ آخرها ، وهو قوله : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقال جمهور المحقّقين : إن القول بهذا النسخ باطل ؛ لما روي عن معاذ أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أتدري ما حقّ الله على العباد ، وما حقّ العباد على الله»؟ فقلت : الله ورسوله أعلم. قال : «حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحقّ العباد على الله ألا يعذّب من لا يشرك به شيئا» قلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس؟ قال : «لا تبشرهم فيتّكلوا» (٢). وهذا لا يجوز أن ينسخ ؛ ولأن معنى قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) أي : كما يحق أن يتقى ، وذلك بأن تجتنب جميع معاصيه ، ومثل هذا لا يجوز أن ينسخ ؛ لأنه إباحة لبعض المعاصي ، وإذا كان كذلك صار معنى هذه الآية ومعنى قوله : «(فَاتَّقُوا
__________________
(١) ورود النسخ روي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد.
فأخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٨ ـ ٦٩) عن قتادة والربيع وابن زيد وأخرجه ابن مردويه كما في «الدر المنثور» ٢ / ١٦) عن عبد الله بن مسعود وأخرجه عبد بن حميد وابن مردويه كما في «الدر المنثور» (٢ / ١٠٦) عن ابن عباس وأخرجه عبد بن حميد كما في «الدر المنثور» (٢ / ١٠٦) عن عكرمة وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧) عن سعيد بن جبير.
(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٢٠٤) كتاب التوحيد باب دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم أمته ... الخ رقم (٧٣٧٣) ومسلم كتاب الإيمان (٥٠) وأحمد (٥ / ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٤ ، ٢٣٦) والترمذي (٢٦٤٣) عن معاذ بن جبل.