وقوله : (جَمِيعاً) أي : مجتمعين عليه ، فهو حال من الفاعل.
قوله : (وَلا تَفَرَّقُوا) قراءة البزّيّ بتشديد التاء وصلا وقد تقدم توجيهه في البقرة عند قوله (وَلا تَيَمَّمُوا)(١) والباقون بتخفيفها على الحذف (٢).
فصل
في التأويل وجوه :
الأول : أنه نهي عن الاختلاف في الدين ؛ لأن الحق لا يكون إلا واحدا ، وما عداه جهل وضلال ، قال تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٢].
الثاني : أنه نهي عن المعاداة والمخاصمة ؛ فإنهم كانوا في الجاهلية مواظبين على ذلك ، فنهوا عنه.
الثالث : أنه نهي عما يوجب الفرقة ، ويزيل الألفة ، قال صلىاللهعليهوسلم «ستفترق أمّتي على نيّف وسبعين فرقة الناجي منهم واحدة» قيل : ومن هي يا رسول الله؟ قال : «الجماعة».
وروي : «السواد الأعظم».
ويروى : «ما أنا عليه وأصحابي».
واعلم أن النهي عن الاختلاف ، والأمر بالاتفاق ، يدل على أن الحق لا يكون إلا واحدا.
فصل
استدلت نفاة القياس (٣) بهذه الآية ، فقالوا : الأحكام الشرعية إما أن يقال : إن الله
__________________
(١) آية : ٢٦٧.
(٢) انظر : الدر المصون ٢ / ١٧٧ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٨٥.
(٣) استدلوا من الكتاب بآيات كثيرة ، والناظر إليها يلاحظ أنها تنقسم بادىء ذي بدء إلى أربعة أقسام :
١ ـ قسم يدل على شمول النصوص لجميع الأحكام ويلزم منه الاستغناء عن القياس.
٢ ـ وقسم يدل على وجوب اتباع ما أنزل الله ويفهم منه منع العمل بالقياس.
٣ ـ وقسم يدل على منع اتباع الظن ويتضمن منع العمل بالقياس.
٤ ـ وقسم يدل على منع مجاوزة الكتاب والسنة ونحو ذلك مما يتضمن منع العمل بالقياس.
أولا : منها قول الله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وقوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) على قراءة الرفع. وقوله سبحانه : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقوله جل شأنه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
«وجه الاستدلال بهذه الآيات» أن الآيات الثلاث الأول دالة على اشتمال الكتاب الكريم على جميع أحوال الكائنات شاهدة وغائبة ومنها الأحكام الشرعية فتكون الأحكام الشرعية كلها مستفادة من نصوص الكتاب والآية الأخيرة دالة على إكمال الدين ، والدين هو الأحكام الشرعية. وإكمالها استيعابها بالنص عليها ، وذلك باشتمال الكتاب عليها لتتفق مع الآيات قبلها ، وإذا يكون القياس مستغنى عنه في معرفة الأحكام الشرعية فلا يكون حجة ، لأنه إن كان موافقا للنص كان لاغيا ، وإن كان مخالفا له كان باطلا ، ـ