قال القرطبي : وليس في الآية دليل على تحريم الاختلاف في الفروع ؛ فإن ذلك ليس اختلافا ؛ إذ الاختلاف يتعذر معه الائتلاف والجمع ، وأما حكم مسائل الاجتهاد ، فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع ، وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث ، وهم ـ مع ذلك ـ متآلفون وقال صلىاللهعليهوسلم : «اختلاف أمّتي رحمة» (١) وإنما منع الله الاختلاف الذي هو سبب الفساد ، قال صلىاللهعليهوسلم «تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ـ أو اثنتين وسبعين فرقة ـ والنّصارى مثل ذلك ، وتفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة» (٢).
قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
(نِعْمَتَ اللهِ) مصدر مضاف لفاعله ؛ إذ هو المنعم ، (عَلَيْكُمْ) ، ويجوز أن يكون متعلقا بنفس (نِعْمَتَ ؛) لأن هذه المادة تتعدى ب «على» قال تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٣٧].
ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من «نعمة» ، فيتعلق بمحذوف ، أي : مستقرة ، وكائنة عليكم.
قوله : (إِذْ كُنْتُمْ) «إذ» منصوبة ب «نعمة» ظرفا لها ويجوز أن يكون متعلّقا بالاستقرار الذي تضمنه (عَلَيْكُمْ) إذ قلنا : إن «عليكم» حال من النعمة ، وأما إذا علقنا «عليكم» ب «نعمة» تعيّن الوجه الأول.
__________________
ـ ٢ / ١٥٥ ، المنخول للغزالي ص ٣٢٣ ، المستصفى له ٢ / ٢٢٨ ، حاشية البناني ٢ / ٢٠٢ ، الإبهاج لابن السبكي ٣ / ٣ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٤ / ٢ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ٢ / ٢٣٩ ، المعتمد لأبي الحسين ٢ / ١٩٥ ، إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص ٥٢٨ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٧ / ٣٦٨ ، ٨ / ٤٨٧ ، أعلام الموقعين لابن القيم ١ / ١٠١ ، التحرير لابن الهمام ص ٤١٥ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ٣ / ٢٦٣ ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ٣ / ١١٧ ، ميزان الأصول للسمرقندي ٢ / ٧٨٩ ، كشف الأسرار للنسفي ٢ / ١٩٦ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢ / ٢٤٧ ، ٢ / ٥٢ ، حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين ص ٢١٢ ، شرح المنار لابن ملك ص ١٠٣ ، الوجيز للكراماستي ص ٦٤ ، تقريب الوصول لابن جزيّ ص ١٣٤ ، إرشاد الفحول للشوكاني ص ١٩٨ ، شرح مختصر المنار للكوراني ص ١٠٣ ، نشر البنود للشنقيطي ، شرح الكوكب المنير للفتوحي ص ٤٧٩.
(١) ذكره السيوطي في «الجامع الصغير» (٢٨٨) وعزاه لنصر المقدسي في الحجة والبيهقي في «الرسالة الأشعرية» بغير سند وقال : وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا قال المناوي في «فيض القدير» (١ / ٢١٢) : قال السبكي : وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع.
والحديث ذكره الغزالي في «الإحياء» (١ / ٢٧) وقال العراقي : وأسنده البيهقي في «المدخل من حديث ابن عباس» وإسناده ضعيف.
(٢) تقدم.