وجوز الحوفي أن يكون منصوبا ب «اذكروا» يعني : مفعولا به ، لا أنه ظرف له ؛ لفساد المعنى ؛ إذ «اذكروا» مستقبل ، و «إذ» ماض.
فصل
(كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).
قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار : كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأمّ ، فوقعت بينهما عداوة ـ بسبب قتيل ـ فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم مائة وعشرين سنة ، إلى أن أطفأ الله تعالى ، ذلك بالإسلام ، وألّف بينهم برسوله ـ عليهالسلام ـ وكان سبب ألفتهم أن سويد بن الصامت ـ أخا بني عمرو بن عوف ـ كان شريفا ، تسمّيه قومه : الكامل ، لجلده ونسبه ، قدم «مكة» حاجّا أو معتمرا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بعث وأمر بالدعوة ، فتصدّى له حين سمع به ، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام ، فقال له سويد : فلعلّ الذي معك مثل الذي معي. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما الّذي معك؟ قال : حكمة لقمان فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اعرضها عليّ» (١) فعرضها عليه ، فقال : إنّ هذا الكلام حسن معي أفضل من هذا ـ قرآن أنزله الله عليّ نورا وهدى ، فتلا عليه القرآن ، ودعاه إلى الإسلام ، فلم يبعد منه ، وقال : إنّ هذا القول أحسن ، ثمّ انصرف إلى المدينة ، فلم يلبث أن قتله الخزرج يوم بعاث ؛ فإن قومه يقولون : قد قتل وهو مسلم ، ثم قدم أبو الجيسر أنس بن رافع معه فتية من بني الأشهل ـ فيهم إياس بن معاذ ـ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، فلما سمع بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاهم ، فجلس إليهم ، فقال : هل لكم إلى خير مما جئتم له؟ قالوا : وما ذاك؟ قال : أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد ، أدعوهم إلى ألّا يشركوا به شيئا ، وأنزل عليّ الكتاب ، ثمّ ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا : أي قوم ، هذا والله خير مما جئتم له ، فأخذ أبو الجيسر حفنة من البطحاء ، فضرب بها وجه إياس (٢) ، وقال : دعنا منك ؛
__________________
(١) ذكره ابن مندة ، وقال : قدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة فأتاهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأسلموا ثم ساق الحديث من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن حصين بن عبد الرحمن ، عن محمود بن لبيد بهذا كذا قال والذي ذكره ابن إسحاق في المغازي بهذا الإسناد يدل على أنه لم يسلم وقوله : قدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه نظر ، وإنما قدم أبو الجيش في فتية من بني عبد الأشهل على قريش يلتمسون منهم الحلف على إخوانهم الخزرج ، فأتاهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعوهم إلى الإسلام فلم يسلموا إذ ذاك وانصرفوا فكانت بينهم وقعة بعاث المشهورة ولأبي الجيش هذا ابن شهد بدرا ، وابنة تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، وهي التي قيل له بسببها : أولم ولو بشاة ينظر الإصابة ١ / ١٣٦.
(٢) إياس بن معاذ الأنصاري الأشهلي .. قال ابن السكن وابن حبان له صحبة وذكره البخاري في تاريخه الأوسط فيمن مات على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من المهاجرين الأولين والأنصار وترجم له في التاريخ الكبير وقال مصعب الزبيري قدم إياس مكة وهو غلام قبل الهجرة ، فرجع ومات قبل هجرة ـ