أرسالا إلى «المدينة» ، فجمع الله أهل «المدينة» ـ أوسها وخزرجها ـ بالإسلام ، وأصلح الله ذات بينهم بنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) [آل عمران : ١٠٣] يا معشر الأنصار قبل الإسلام (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام (١)(فَأَصْبَحْتُمْ) أي : فصرتم. و «أصبح» من أخوات «كان» فإذا كانت ناقصة ، كانت مثل «كان» في رفع الاسم ونصب الخبر ، وإذا كانت تامة رفعت فاعلا ، واستغنت به ، فإن وجد منصوب بعدها فهي حال ، وتكون تامة إذا كانت بمعنى دخل في الصباح ، تقول : أصبح زيد ، أي دخل في الصباح ، ومثلها ـ في ذلك ـ «أمسى» قال تعالى (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] وقال : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) [الصافات : ١٣٧].
وفي أمثالهم : «إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبح» ؛ لأن القين ـ وهو الحداد ـ ربما قلّت صناعته في أحياء العرب ، فيقول : أنا غدا مسافر ، فيأتيه الناس بحوائجهم ، ويقيم ، ويترك السفر ، فأخرجوه مثلا لمن يقول قولا ويخالفه. والمعنى : فاعلم أنه مقيم في الصباح. ويكون بمعنى «صار» عملا ومعنى. كقوله : [الخفيف]
١٥٥٧ ـ فأصبحوا كأنّهم ورق جف |
|
ف فألوت به الصّبا والدّبور (٢) |
أي : صاروا.
و «إخوانا» خبرها ، وجوّزوا فيها ـ هنا ـ أن تكون على بابها ـ من دلالتها على اتصاف الموصوف بالصفة في وقت الصباح ، وتكون بمعنى : «صار» ـ وأن تكون تامة ، أي : دخلتم في الصباح ، فإذا كانت ناقصة على بابها ـ فالأظهر أن يكون «إخوانا» خبرها ، و «بنعمته» متعلق به لما فيه من معنى الفعل ، أي : تآخيتم بنعمته ، والباء للسببية.
وجوّز أبو حيان أن تتعلق ب «أصبحتم» ، وقد عرف ما فيه من خلاف. وجوّز غيره أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «أصبحتم» ، أي : فأصبحتم إخوانا ملتبسين بنعمته ، أو حال من «إخوانا» ؛ لأنه في الأصل ـ صفة له.
وجوّزوا أن تكون «بنعمته» هو الخبر ، و «إخوانا» حال والباء بمعنى الظرفية ، وإذا كانت بمعنى : «صار» جرى فيها ما تقدم من جميع هذه الأوجه ، وإذا كانت تامة ، فإخوانا حال ، و «بنعمته» فيه ما تقدم من الأوجه خلا الخبرية.
قال ابن عطية : «فأصبحتم» عبارة عن الاستمرار ـ وإن كانت اللفظة مخصوصة
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٧٨ ـ ٧٩ ـ ٨٠) مختصرا والأثر في «سيرة ابن هشام» (٢ / ٦٧ ـ ٦٩).
(٢) البيت لعدي بن زيد وروي :
ثم أضحوا كأنهم
ينظر ديوانه (٩٠) والهمع ١ / ١١٤ وشرح المفصل لابن يعيش ٧ / ١٠٤ والدرر ١ / ٨٤ والدر المصون ٢ / ١٧٨.