وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خيركم قرني ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ـ قال عمران بن حصين : لا أدري ، أذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد قرنه قرنين أم ثلاثة؟ ـ ثم إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن» (١).
فصل
قال القفال : أصل الأمة : الطائفة المجتمعة على الشيء الواحد ، فأمة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، هم الجماعة الموصوفون بالإيمان به ، والإقرار بنبوته ، وقد يقال ـ لكل من جمعته الدعوة ـ إنهم أمته ، إلا أن لفظ : «الأمة» إذا أطلقت وحدها ، وقع على الأول ، إلا أنه إذا قيل : أجمعت الأمة على كذا ، فهم منه الأول ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أمّتي لا تجتمع على ضلالة». وروي أنه صلىاللهعليهوسلم يقول ـ يوم القيامة ـ : «أمتي ، أمّتي» ، فلفظ «الأمة» في هذه المواضع وأشباهها ـ يفهم منه المقرّون بنبوته ، فأما أهل دعوته فإنهم إنما يقال لهم : أمّة الدعوة ، ولا يطلق عليهم لفظ «الأمة» إلا بهذا الشرط.
فصل
احتج بعض العلماء بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة من وجهين :
الأول : أنه ـ تعالى ـ قال : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩] ثم قال ـ في هذه الآية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ،) فوجب أن تكون ـ بحكم هذه الآية ـ هذه الأمة أفضل من تلك الأمة ، الذين يهدون بالحق من قوم موسى ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق ، إذ لو جاز ـ في هذه الأمة ـ أن تحكم بما ليس بحقّ ، لامتنع كونهم أفضل من الأمة التي تهدي بالحق ؛ لأن المبطل لا يكون خيرا من الحقّ ، وإذا ثبت أن هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق كان إجماعهم حجة.
الثاني : أن الألف واللام في لفظ : «المعروف» ، و «المنكر» ، يفيدان الاستقرار ، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف ، وناهين عن كل منكر ، ومتى كانوا كذلك كان إجماعهم حقّا ، وصدقا ـ لا محالة ـ فكان حجّة.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٧ / ٥) كتاب فضائل الصحابة (٣٦٥٠) ومسلم (٤ / ١٩٦٤) كتاب فضائل الصحابة (٢١٤ ـ ٢٥٣٥) والنسائي (٧ / ١٧ ـ ١٨) وأحمد (٤ / ٤٣٦) والبيهقي (١٠ / ٧٤ ، ١٢٣) والطبراني في «الكبير» (١٨ / ٢٣٣) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ١٧٧) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ٣٩١) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٦ / ٥٥٢) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ١٧٠) عن عمران بن حصين مرفوعا.
وأخرجه مسلم (٤ / ١٩٦٤) كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة (٢١٥ ـ ٢٥٣٥) والترمذي (٤ / ٤٣٤) رقم (٢٢٢٢) وأبو داود (٤٦٥٧) وأحمد (٢ / ٢٢٨) والبيهقي (١٠ / ١٦٠) والطبراني (١٨ / ٢١٣) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ١٧٠ ـ ١٧١) عن عمران بن حصين مرفوعا بلفظ : خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... الخ.