الألف واللام في قوله : (الْمُؤْمِنُونَ) للعهد ، لا للاستغراق ، والمراد عبد الله بن سلام ورهطه من «اليهود» ، والنجاشي ورهطه من «النصارى».
فإن قيل : الوصف إنما يذكر للمبالغة ، فأي مبالغة تحصل في وصف الكافر بأنه فاسق؟
فالجواب : أن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، وفاسقا في دينه ، فالفاسق في دينه يكون مردودا عند جميع الطوائف ؛ لأن المسلمين لا يقبلونه لكفره ، والكفّار لا يقبلونه لفسقه عندهم ، فكأنه قيل : أهل الكتاب فريقان : منهم من آمن ، والذين لم يؤمنوا فهم فاسقون في أديانهم ، فليسوا ممن يقتدى بهم ألبتة عند أحد من العقلاء.
قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(١١٢)
لمّا رغّب المسلمين في ترك الالتفات إلى أقوال الكفّار وأفعالهم بقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) ، رغّبهم ـ أيضا ـ من وجه آخر ، وهو أنه لا قدرة لهم على إضرار المسلمين ، إلا بالقليل من القول الذي لا عبرة به ، ولو أنهم قاتلوا المسلمين لانهزمت الكفار ، فلذلك لا يلتفت إلى أقوالهم وأفعالهم.
قال مقاتل : إن رؤوس اليهود عمدوا إلى من آمن منهم ـ عبد الله بن سلام وأصحابه ـ فآذوهم ، فنزلت هذه الآية (١).
قوله : (إِلَّا أَذىً) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متصل ، وهو استثناء مفرّغ من المصدر العام ، كأنه قيل : لن يضروكم ضررا ألبتة إلا ضرر أذى لا يبالى به ـ من كلمة سوء ونحوها ـ إمّا بالطعن في محمد وعيسى ـ عليهماالسلام ـ وإمّا بإظهار كلمة الكفر ـ كقولهم : عيسى ابن الله ، وعزير ابن الله ، وإن الله ثالث ثلاثة ، وإما بتحريف نصوص التوراة والإنجيل ، وإما بتخويف ضعفة المسلمين.
الثاني : أنه منقطع ، أي : لن يضروكم بقتال وغلبة ، لكن بكلمة أذى ونحوها.
قال بعض العلماء : وهذا بعيد ، لأن الوجوه المذكورة توجب وقوع الغمّ في قلوب المسلمين ، والغم ضرر. فالتقدير : لا يضروكم إلا الضرر الذي هو الأذى ، فهو استثناء صحيح ، والمعنى : لا يضروكم إلا ضررا يسيرا.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١١٢) عن مقاتل.