ظلمات المعاصي ـ حالا فحالا ، ضعف نور الإيمان حالا فحالا ـ إلى أن بطل نور الإيمان ، وحصلت ظلمة الكفر ، وإليه أشار بقوله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المططفين : ١٤] ، فقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) إشارة إلى العلة.
ولهذا المعنى قال الإمام أحمد ـ وقد سئل عن تارك السنن ، هل تقبل شهادته؟ ـ قال : ذلك رجل سوء ؛ لأنه إذا وقع في ترك السنن أدّى ذلك إلى ترك الفرائض ، وإذ وقع في ترك الفرائض ، وقع في استحقار الشريعة ، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر.
الثاني : أن يحمل قوله : (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) على أسلافهم ، وقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) في الحاضرين في زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فلا يلزم التكرار ، فكأنه ـ تعالى ـ بيّن عقوبة من تقدّم ، ثم بيّن أن المتأخر ـ لما تبع من تقدم ـ صار لأجل معصيته ، وعداوته مستوجبا لمثل عقوبتهم ، حتى يظهر للخلق ما أنزل الله بالفريقين.
قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)(١١٥)
الظاهر في هذه أنّ الوقف على «سواء» تام ؛ فإن الواو اسم «ليس» و «سواء» خبر ، والواو تعود على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم.
والمعنى : أنهم منقسمون إلى مؤمن وكافر ؛ لقوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ١١٠] ، فانتفى استواؤهم.
و «سواء» ـ في الأصل ـ مصدر ، ولذلك وحّد ، وقد تقدم تحقيقه أول البقرة.
قال أبو عبيدة : الواو في «ليسوا» علامة جمع ، وليست ضميرا ، واسم «ليس» ـ على هذا ـ «أمة» و «قائمة» صفتها ، وكذا «يتلون» ، وهذا على لغة «أكلوني البراغيث».
كقول الآخر : [المتقارب]
١٥٧٥ ـ يلومونني في اشتراء النّخي |
|
ل أهلي ، فكلّهم بعذل ألوم (١) |
قالوا : وهي لغة ضعيفة ، ونازع السّهيليّ النحويين في كونها ضعيفة ، ونسبها بعضهم
__________________
(١) البيت لأمية بن أبي الصالت ينظر ديوانه ص ٤٨ ، والدرر ٢ / ٢٨٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٦٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٧ ، ٧ / ٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٦٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠. والدر المصون ٢ / ١٨٩.