الثاني : أن الكفر ـ في اللغة ـ : الستر. فسمي منع الجزاء كفرا ؛ لأنه بمنزلة الجحد والستر.
فإن قيل : «شكر» و «كفر» لا يتعديان إلا إلى واحد ، يقال : شكر النعمة ، وكفرها ـ فكيف تعدّى ـ هنا ـ لاثنين أولهما قام مقام الفاعل ، والثاني : الهاء في «يكفروه»؟.
فقيل : إنه ضمّن معنى فعل يتعدى لاثنين ـ كحرم ومنع ، فكأنه قيل : فلن يحرموه ، ولن يمنعوا جزاءه.
ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) واسم «الله» يدل على عدم العجز ، والبخل ، والحاجة ؛ لأنه إله جميع المحدثات ، وقوله : «عليم» يدل على عدم الجهل ، وإذا انتفت هذه الصفات ، امتنع المنع من الجزاء ؛ لأن منع الحق لا بد وأن يكون لأحد هذه الأمور.
وقوله : (بِالْمُتَّقِينَ) ـ مع أنه عالم بالكلّ ـ بشارة للمتقين بجزيل الثواب.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١١٦)
لمّا وصف المؤمنين بالصفات الحسنة ، أتبعه بوعيد الكفّار ، ليجمع بين الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب.
قال ابن عبّاس : يريد قريظة والنضير ؛ لأن معاندتهم كانت لأجل المال ، لقوله تعالى : في سورة البقرة (تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٤١].
وقيل : نزلت في مشركي قريش ؛ فإن أبا جهل كان كثير الافتخار بماله.
وقيل : نزلت في أبي سفيان ؛ فإنه أنفق مالا كثيرا على المشركين يوم بدر وأحد.
وقيل : إنها عامة في جميع الكفار ؛ لأنهم كانوا يتعززون بكثرة الأموال ، ويعيّرون الرسول صلىاللهعليهوسلم وأتباعه بالفقر ، ويقولون : لو كان محمد على الحق ، لما تركه ربه في الفقر والشدة.
فالأولون قالوا : إن الآية مخصوصة ، وهؤلاء قالوا : إن اللفظ عام ، ولا دليل يوجب التخصيص ، وخص الأولاد ، لأنهم أقرب أنسابا إليهم.
واحتجّ أهل السنة بقوله : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) على أن فسّاق أهل الصلاة لا يبقون في النار أبدا ؛ لأن هذه الكلمة تفيد الحصر ، فيقال : أولئك أصحاب زيد ، لا غيرهم ، ولما أفادت معنى : «الحصر» ثبت أن الخلود في النار ليس إلّا ل «الكفار».
قوله تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ