خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١١٩)
لما شرح أحوال المؤمنين والكافرين ، شرع في تحذير المؤمنين عن مخالطة الكافرين ، وأكد الزجر عن الركون إلى الكفار ، وهو متّصل بما سبق من قوله : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
قوله : (مِنْ دُونِكُمْ) يجوز أن يكون صفة ل «بطانة» ، فيتعلق بمحذوف ، أي : كائنة من غيركم.
وقدره الزمخشريّ : من غير أبناء جنسكم وهم المسلمون.
ويجوز أن يتعلق بفعل النهي ، وجوّز بعضهم أن تكون «من» زائدة ، والمعنى : دونكم في العمل والإيمان.
وبطانة الرجل : خاصّته الذين يباطنهم في الامور ، ولا يظهر غيرهم عليها ، مشتقة من البطن ، والباطن دون الظاهر ، وهذا كما استعاروا الشعار والدّثار في ذلك ، قال صلىاللهعليهوسلم : «النّاس دثار ، والأنصار شعار» (١).
والشعار : ما يلي الجسد من الثياب. ويقال : بطن فلان بفلان ، بطونا ، وبطانة.
قال الشاعر : [الطويل].
١٥٨٢ ـ أولئك خلصاني ، نعم وبطانتي |
|
وهم عيبتي من دون كلّ قريب (٢) |
فالبطانة مصدر يسمّى به الواحد والجمع ، وأصله من البطن ، ومنه : بطانة الثوب غير ظهارته.
فإن قيل : قوله : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) نكرة في سياق النفي ، فيقتضي العموم في النهي عن مصاحبة الكفار ، وقد قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) فكيف الجمع فيهما.
فالجواب : أن الخاص مقدّم على العام.
قوله : (لا يَأْلُونَكُمْ) لما منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذكر علّة النهي ، وهي أمور :
أحدها : قوله : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) يقال : ألا في الأمر ، يألو فيه ، أي : قصّر ـ نحو غزا يغزو ـ فأصله أن يتعدى بحرف الجر كما ترى. واختلف في نصب «خبالا» على وجوه:
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١٢ / ١٦٠) ، (١٤ / ٤٨٠ ، ٥٢٧) والبزار كما في «مجمع الزوائد» (٨ / ٢٢٠).
وقال الهيثمي : وفيه إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وهو متروك والحديث ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٣٠٢٠٤).
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٥ ومجمع البيان ٢ / ١٧٦ والقرطبي ٤ / ١٧٨ والدر المصون ٢ / ١٩٣.