وأما قولك : لو لم يفعل لصار كاذبا ، أو مكذب نفسه.
فالجواب : أن هذا إنما يلزم لو كان الوعيد ثابتا جزما من غير شرط ، وعندي أن الوعيد مشروط بعدم العفو فلا يلزم من تركه دخول الكذب في كلام الله تعالى».
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ)(١٠)
لما حكى دعاء المؤمنين وتضرّعهم حكى كيفية حال الكافرين ، وشدة عقابهم ، وفيهم قولان :
أحدهما : أن المراد بهم وفد نجران ؛ لأنا روينا في قصتهم أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه إني أعلم أنه رسول الله حقا ، ولكني إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال ، فبيّن الله تعالى أن أموالهم لا تدفع عنهم عذاب الله.
الثاني : أن اللفظ عام ، وخصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ.
قوله : (لَنْ تُغْنِيَ) العامة (١) على «تغني» بالتاء من فوق ؛ مراعاة لتأنيث الجميع ، وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن (٢) بالياء من تحت ـ بالتذكير ـ على الأصل ، وسكّن الحسن ياء «تغني» ؛ استثقالا للحركة على حرف العلة ، وذهابا به مذهب الألف ، وبعضهم يخص هذا بالضرورة.
قوله : (مِنَ اللهِ) في «من» هذه أربعة أوجه :
أحدها : أنها لابتداء الغاية ـ مجازا ـ أي : من عذاب الله وجزائه.
الثاني : أنها بمعنى «عند» قاله أبو عبيدة ، وجعله كقوله تعالى : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش : ٤] ، أي : عند جوع ، وعند خوف ، وهذا ضعيف عند النحويين.
الثالث : أنها بمعنى بدل.
قال الزمخشري : قوله : (مِنَ اللهِ) مثل قوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [يونس : ٣٦] ، والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله ، أو من طاعته شيئا ، أي : بدل رحمته وطاعته ، وبدل الحق ومنه [قوله](٣) : «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (٤) ، أي : لا
__________________
(١) انظر : البحر المحيط ٢ / ٤٠٥ ، والدر المصون ٢ / ٢ / ١٩.
(٢) وقرأ بها علي.
انظر : الكشاف ١ / ٣٣٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٠٥ ، والدر المصون ٢ / ١٩.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه البخاري ٢ / ٣٧٨ كتاب الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة (٨٤٤) من حديث المغيرة بن شعبة ومسلم في الصلاة ، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (٢٠٦ ـ ٤٧٨) من حديث ابن عباس (٢ / ٤٣١ ، ٤٣٢ شرح النووي).