بالمضمرات صاحبة الصدور ، و «ذو» جعلت صاحبة للصدور لملازمتها لها ، وعدم انفكاكها عنها ، نحو أصحاب النار ، وأصحاب الجنة.
والمراد بذات الصدور : الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي ، والصوارف الموجودة فيه.
واختلفوا في الوقف على هذه اللفظة ، هل يوقف عليها بالتاء ، أو بالهاء؟.
فقال الأخفش ، والفرّاء ، وابن كيسان : الوقف عليها بالتاء اتباعا لرسم المصحف.
وقال الكسائي ، والجرميّ : يوقف عليها بالهاء ، لأنها تاء تأنيث ، كهي في صاحبة ، وموافقة الرسم أولى ؛ فإنّه قد ثبت لنا الوقف على تاء التأنيث الصريحة بالتاء ، فإذا وقفنا ـ هنا ـ بالتاء ، وافقنا تلك اللغة ، والرسم ، بخلاف عكسه.
قوله تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (١٢٠)
قرأ العامة (تَسُؤْهُمْ ،) بالتأنيث ؛ مراعاة للفظ «حسنة».
وقرأ أبو عبد الرّحمن بالياء من تحت (١) ؛ لأنّ تأنيثها مجازيّ ، وقياسه أن يقرأ «وإن يصبكم سيئة» بالتذكير ـ أيضا ـ لكن لم يبلغنا عنه في ذلك شيء.
والمس : أصله باليد ، ثم يسمّى كل ما يصل إلى الشيء ماسّا ، على سبيل التشبيه ، يقال : فلان مسّه العصب والنصب ، قال تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨].
وقال الزمخشري : المسّ مستعار هاهنا بمعنى : الإصابة ، قال تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا) [التوبة : ٥٠].
وقال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩].
والمراد بالحسنة ـ هنا : منفعة الدنيا ، من صحة البدن ، وحصول الخصب والغنيمة ، والاستيلاء على الأعداء ، وحصول الألفة والمحبة بين المؤمنين.
والمراد بالسيّئة : أضدادها ، والسيئة : من ساء الشيء يسيء ـ فهو سيّىء ، والأنثى سيئة ـ أي : قبح ، ومنه قوله تعالى : (ساءَ ما يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٦٦] ، والسوء ضد الحسن ، وهذه الآية من تمام وصف المنافقين.
فصل
قال أبو العباس : وردت الحسنة على خمسة أوجه :
الأول : بمعنى : النصر والظفر ، قال تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) [آل عمران : ١٢٠] أي : نصر وظفر.
__________________
(١) انظر : البحر المحيط ٣ / ٤٦ ، والدر المصون ٢ / ١٩٨.