قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١٢١)
العامل في «إذ» مضمر ، تقديره : واذكر إذ غدوت ، فينتصب المفعول به لا على الظرف ، وجوّز أبو مسلم أن يكون معطوفا عل (فِئَتَيْنِ) في قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ) أي : قد كان لكم آية في فئتين ، وفي إذ غدوت ، وهذا لا ينبغي أن يعرّج عليه.
وقال بعضهم : العامل في «إذ» «محيط» تقديره : بما يعملون محيط إذ غدوت.
قال بعضهم : وهذا لا يصحّ ؛ لأن الواو في (وإذ) يمنع من عمل (محيط) فيها.
والغدوّ : الخروج أول النهار ، يقال : غدا يغدو ، أي : خرج غدوة ، وفي هذا دليل على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال ؛ لأن المفسّرين أجمعوا على أنه إنما خرج بعد أن صلّى الجمعة.
ويستعمل بمعنى : «صار» عند بعضهم ، فيكون ناقصا ، يرفع الاسم ، وينصب الخبر ، وعليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لو توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير ، تغدو خماصا ، وتروح بطانا» (١).
قوله : «من أهلك» متعلق ب «غدوت» ، وفي «من» وجهان :
أحدهما : أنها لابتداء الغاية ، أي : من بين أهلك.
قال أبو البقاء : «وموضعه نصب ، تقديره فارقت أهلك».
قال شهاب الدّين (٢) : «وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب ، ولا تفسير معنى ؛ فإن المعنى على غير ما ذكر».
الثاني : أنها بمعنى : «مع» أي : مع أهلك ، وهذا لا يساعده لفظ ، ولا معنى.
قوله : «تبوىء» يجوز أن تكون الجملة حالا من فاعل : «غدوت» ، وهي حال مقدرة ، أي : قاصدا تبوئة المؤمنين ؛ لأن وقت الغدو ليس وقتا للتبوئة ، ويحتمل أن تكون حالا مقارنة ؛ لأن الزمان متسع.
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٣٠) والترمذي (٤ / ٥٧٣) كتاب الزهد : باب في التوكل على الله (٢٣٤٥) وابن ماجه (٢ / ١٣٩٤) كتاب الزهد : باب التوكل واليقين (٤١٦٤) والحاكم (٤ / ٣١٨) وابن حبان (٢٥٤٨ ـ موارد) وأبو يعلى (١ / ٢١٢) رقم (٢٤٧) وأبو نعيم في «الحلية» (١٠ / ٦٩) وابن المبارك في «الزهد» رقم (٥٥٩) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٣٢٨) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٢ / ٣١٩) رقم (١٤٤٤) عن أبي تميم الجيشاني عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح ووافقه الذهبي.
وقال البغوي : حديث حسن ، الخماص : جمع الخميص البطن وهو الضامر والمخمصة : الجوع ، لأن البطن يضمر به.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٠١.