اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٥ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

ابن أبيّ ابن سلول ـ ولم يدعه قط قبلها ـ ، فاستشاره ، فقال عبد الله بن أبيّ ، وأكثر الأنصار : يا رسول الله أقم بالمدينة ، لا تخرج إليهم ، فو الله ما خرجنا عنها إلى عدو قط إلا أصاب منا ، ولا دخل عدو علينا إلا أصبنا منه ، فدعهم ، فإن أقاموا أقاموا بشرّ موضع ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين ، فأعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الرأي.

وقال آخرون : اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب ؛ لئلا يظنّوا أنا قد خفناهم وضعفنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي رأيت في منامي بقرة تذبح حولي ، فأوّلتها خيرا ، ورأيت في ذبابة سيفي ثلما ، فأوّلته هزيمة ورأيت كأنّي أدخلت يدي في درع حصينة ، فأوّلتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ، وتدعوهم ـ وكان يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة ، فيقاتلوا في الأزقّة ـ فقال رجال من المسلمين فاتهم يوم بدر ، وأكرمهم الله بالشّهادة يوم أحد : اخرج بنا إلى أعدائنا ، فلم يزالوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى دخل ، فلبس لأمته ، فلمّا رأوه قد لبس السّلاح ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا ، نشير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والوحي يأتيه!!! فقاموا ، واعتذروا إليه ، وقالوا : اصنع ما رأيت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته ، فيضعها حتّى يقاتل ـ وكان قد أقام المشركون بأحد يوم الأربعاء ، ويوم الخميس ـ فراح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة بعد ما صلى بأصحابه الجمعة ، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار ، فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ خرج إليهم ، فأصبح بالشّعب من أحد يوم السّبت للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة ، فمشى على رجليه ، وجعل يصفّ أصحابه للقتال كما تقوّم القداح ، إن رأى صدرا بارزا تأخّر ، وكان نزوله في جانب الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وأمّر عبد الله بن جبير على الرّماة ، وقال : ادفعوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : اثبتوا في هذا المقام ، فإذا عاينوكم ولّوكم الأدبار ، فلا تطلبوا المدبرين ، ولا تخرجوا من هذا المقام.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خالف رأي عبد الله بن أبي شق ذلك عليه ، وقال : أطاع الولدان وعصاني ، ثم قال لأصحابه : إن محمدا إنما يظفر بعدوه بكم ، وقد واعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا ، فإذا رأيتم أعداءه فانهزموا ، فيتبعوكم ، فيصير الأمر على خلاف ما قاله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما التقى الفريقان انهزم عدو الله بالمنافقين ، وكان جملة عسكر المسلمين ألفا ، فانهزم عبد الله بن أبي بثلاثمائة ، وبقيت سبعمائة ، فذلك قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا).

أي : أن تضعفا ، وتجبنا ، وتتخلفا.

والطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر ، وكان عليه‌السلام قد خرج في ألف رجل ، فانخزل عبد الله بن أبي بثلث الجيش ، وقال : نقتل أنفسنا وأولادنا! فتبعهم أبو جابر السّلمي ، وقال : أنشدكم الله في نبيكم ، وفي