أحدهما : أن تكون مستأنفة.
والثاني : أن تكون منسوقة على خبر «إنّ» و «هم» تحتمل الابتداء والفصل.
وقرأ العامة «وقود» بفتح الواو ، والحسن بضمّها (١) وتقدم تحقيق ذلك في البقرة ، وأن المصدرية محتملة في المفتوح الواو أيضا ، وحيث كان مصدرا فلا بد من تأويله ، فلا حاجة إلى إعادته.
فصل
اعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عنهم كل ما ينتفع به ، ثم تجتمع عليه الأسباب المؤلمة.
الأول هو المراد بقوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ؛) فإن المرء ـ عند الخطوب ـ يفزع إلى المال والولد ؛ لأنهما أقرب الأمور التي يفزع إليها في دفع النوائب ، فبيّن تعالى أن صفة ذلك اليوم مخالفة لصفة الدنيا ، وإذا تعذّر عليه الانتفاع في ذلك اليوم بالمال والولد ـ وهما أقرب الطرق ـ فما عداه بالتعذّر أولى ، ونظيره : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٨ ، ٨٩].
وأما الثاني من أسباب كمال العذاب ـ وهو اجتماع الأسباب المؤلمة ـ فهو المراد بقوله : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) وهذا هو النهاية في العذاب ؛ فإنه لا عذاب أعظم من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس.
قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(١١)
في كاف «كدأب» وجهان :
أحدهما : أنها في محل رفع ؛ خبرا لمبتدأ مضمر ، تقديره : دأبهم ـ في ذلك ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) وبه بدأ الزمخشريّ ، وابن عطية.
الثاني : أنها في محل نصب ، وفي الناصب لها تسعة أقوال :
أحدها : أنها نعت لمصدر محذوف ، والعامل فيه «كفروا» ، تقديره : إنّ الذين كفروا كفرا كدأب آل فرعون ، أي : كعادتهم في الكفر ، وهو رأي الفرّاء (٢).
وهذا القول مردود بأنه قد أخبر عن الموصول قبل تمام صلته ، فلزم الفصل بين أبعاض العلة بالأجنبيّ ، وهو لا يجوز.
__________________
(١) وقرأ بها مجاهد وجماعة.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٠٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٥ ، والدر المصون ٢ / ٢١.
(٢) ينظر معاني القرآن ١ / ١٩١.