أنفسكم ، فقال عبد الله بن أبيّ : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ ،) وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبيّ ، فعصمهم الله ، فلم ينصرفوا ، فذكرهم الله عظيم نعمته. فقال ـ عزوجل ـ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) ناصرهما ، وحافظهما ، ثم قواهم الله ، حتى هزموا المشركين ، فلما رأى المؤمنون انهزام القوم ، طلبوا المدبرين ، فأراد الله أن يعظهم عن هذا الفعل ؛ لئلا يقدموا على مخالفة أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وليعلموا أن نصرهم إنما حصل ببركة طاعتهم لله ولرسوله ، ومتى تركهم الله مع عدوهم لم يقوموا لهم ، فنزع الله الرّعب من قلوب المشركين ، فكرّ عليهم المشركون ، وتفرق العسكر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) [آل عمران : ١٥٣] ، وشجّ وجه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وكسرت رباعيته ، وشلّت يد طلحة دونه ، ولم يبق معه إلا أبو بكر ، وعليّ ، والعباس ، وطلحة وسعد ، ووقعت الصيحة في العسكر بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد قتل ، ثم نودي على الأنصار بأن هذا رسول الله ، فرجع إليه المهاجرون والأنصار ، وكان قد قتل منهم سبعون ، وأكثر فيهم الجراح ، فقال صلىاللهعليهوسلم : رحم الله رجلا ذبّ عن إخوانه ، وشدّ على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى ، وكان الكفار ثلاثة آلاف (١) ، والمسلمون ألفا ـ أو أقل ـ رجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، وبقي مع الرسول صلىاللهعليهوسلم سبعمائة ، وأعانهم الله حتى هزموا الكفار ، ثم لمّا خالفوا أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واشتغلوا بطلب الغنائم انقلب الأمر عليهم ، وانهزموا.
قوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : سميع لأقوالكم ، «عليم» بضمائركم ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لما شاور أصحابه في تلك الحرب ، فقال بعضهم : أقم بالمدينة ، وقال آخرون : اخرج إليهم ، فكان لكل أحد غرض في نفسه ، فمن موافق ومن منافق ، فقال تعالى : «أنا سميع لما تقولون عليم بما تسرون».
قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٢٢)
قوله : (إِذْ هَمَّتْ) في هذا الظرف أوجه :
أحدها : أنه ظرف ل (غَدَوْتَ).
الثاني : أنه بدل من (وَإِذْ غَدَوْتَ)، فالعامل فيه هو العامل في المبدل منه.
الثالث : أنه ظرف ل (تُبَوِّئُ).
وهذه الأوجه تحتاج إلى نقل تاريخي في اتحاد الزمانين.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٦٣ ـ ١٦٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٢٠ ـ ١٢١) وزاد نسبته لابن إسحاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
والأثر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٣ / ٦٦ ـ ٦٧).