تدبيره ، ومعرفته في التصرّف ـ وإمّا من وكل أمره إلى فلان ، إذا عجز عنه.
قال ابن فارس : «هو إظهار العجز ، والاعتماد على غيرك» ، يقال : فلان وكله يكله ، أي : عاجز يكل أمره إلى غيره ، والتاء في تكلة بدل من الواو ، كتخمة وتجاه وتراث.
فصل
اختلف العلماء في حقيقة التوكل ، فسئل عنه سهل بن عبد الله ، فقال : قالت فرقة : هو الرضا بالضمان وقطع الطمع من المخلوقين (١).
وقال قوم : التّوكّل : ترك الأسباب ، والركون إلى مسبّب الأسباب ، فإذا شغله السبب عن المسبب ، زال عنه اسم التوكّل (٢).
قال سهل : من قال : التوكل يكون بترك السبب ، فقد طعن في سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الله يقول : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(٣) [الأنفال : ٦٩] ، والغنيمة اكتساب ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله يحبّ العبد المحترف» (٤).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ)(١٢٧)
في كيفية النظم وجهان :
أحدهما : أنه ـ تعالى ـ لّما ذكر قصة أحد أتبعها بقصة بدر ؛ لأن المشركين كانوا في غاية القوة ، ثم سلط المسلمين عليهم ، فصار ذلك دليلا على أن العاقل يجب أن لا يتوسل إلى غرضه إلا بالتوكل على الله ، ويكون ذلك تأكيدا لقوله : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)
__________________
ـ عرفها المالكية بأنها : نيابة في حق غير مشروطة بموته ولا إمارة.
عرفها الحنابلة بأنها : استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
انظر : بدائع الصنائع : ٧ / ٣٤٤٥ ، تبيين الحقائق : ٤ / ٢٥٤ ، حاشية ابن عابدين : ٥ / ٥٠٩ ، مغني المحتاج : ٢ / ٢١٧ ، الشرح الصغير للدردير : ٣ / ٢٢٩ ، شرح منتهى الإرادات : ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠.
(١) انظر تفسير القرطبي (٤ / ١٢٢).
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (١٢٣٧) وابن عدي في «الكامل» (١ / ٣٧٨) والحكيم الترمذي والطبراني كما في «كنز العمال» (٩١٩٩) وعزاه أيضا لابن النجار عن عبد الله بن عمر والحديث ذكره ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (٢ / ١٢٨) رقم (١٨٧٧) وقال : قال أبي : هذا حديث منكر. وذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١٢٢).