قال شهاب الدين (١) : «وفي تقدير بيت امرىء القيس ب «حتى» نظر ؛ إذ ليس المعنى عليه ؛ لأنه لم يفعل ذلك لأجل هذه الغاية ، والنحويون لم يقدروه إلا بمعنى : إلا أن».
الثالث : منصوب بإضمار : «أن» عطفا على قوله : «الأمر» ، كأنه قيل : ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم ، أو تعذيبهم شيء ، فلما كان في تأويل الاسم عطف على الاسم قبله ، فهو من باب قوله : [الطويل]
١٦١٤ ـ فلولا رجال من رزام أعزّة |
|
وآل سبيع ، أو أسوءك علقما (٢) |
وقوله : [الوافر]
١٦١٥ ـ للبس عباءة ، وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (٣) |
الرابع : أنه معطوف ـ بالتأويل المذكور ـ على «شيء» ، والتقدير : ليس لك من الأمر شيء ، أو توبة الله عليهم ، أو تعذيبهم ، أي : ليس لك ـ أيضا ـ توبتهم ولا تعذيبهم ، إنما ذلك راجع إلى الله عزوجل.
وقرأ أبّيّ : أو يتوب ، أو يعذبهم ، برفعهما (٤) على الاستئناف في جملة اسمية ، أضمر مبتدؤها ، أي : هو يتوب ، ويعذبهم.
فصل
يحتمل أن يكون المراد من هذا العذاب : هو عذاب الدنيا ـ بالقتل والأسر ـ وأن يكون عذاب الآخرة ، وعلى التقديرين فعلم ذلك مفوّض إلى الله تعالى.
قوله : (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) جملة مستقلة ، والمقصود من ذكرها : تعليل حسن التعذيب ، والمعنى : إن يعذبهم فبظلمهم.
واعلم أنه إذا كان الغرض من الآية منعه من الدعاء على الكفار صحّ ذلك ، وسمّاهم ظالمين ؛ لأن الشرك ظلم ، بل هو أعظم الظلم ؛ لأن الله تعالى قال : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].
وإن كان الغرض منها منعه من الدعاء على المسلمين الذين خالفوا أمره ، صح الكلام ـ أيضا ـ ؛ لأن من عصى الله ، فقد ظلم نفسه.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٢٩)
والمقصود منه : تأكيد ما ذكره أولا من قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ،) والمعنى :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٠٩.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم برقم ٧٦٢.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٠٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٦ ، والدر المصون ٢ / ٢١٠.