إنما يكون ذلك لمن له الملك ، وليس هو لأحد إلا الله.
وقال : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ولم يقل : من ؛ لأن الإشارة إلى الحقائق والماهيات ، فدخل الكلّ فيه.
قوله : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) احتجوا بذلك على أنه سبحانه ـ له أن يدخل الجنة ـ بحكم إلهيته ـ جميع الكفّار ، وله أن يدخل النار ـ بحكم إلهيته ـ جميع المقربين ، ولا اعتراض عليه ؛ لأن فعل العبد متوقف على الإرادة ، وتلك الإرادة مخلوقة لله ـ تعالى ـ فإذا خلق الله تلك الإرادة أطاع ، وإذا خلق النوع الآخر من الإرادة عصى ، فطاعة العبد من الله ، ومعصيته ـ أيضا ـ من الله ـ وفعل الله لا يوجب على الله شيئا ـ ألبتة ـ ، فلا الطاعة توجب الثواب ، ولا المعصية توجب العقاب ، بل الكل من الله ـ بحكم إلهيته وقهره وقدرته ـ فصح ما ادعيناه.
فإن قيل : أليس ثبت أنه لا يغفر للكفّار ، ولا يعذّب الملائكة والأنبياء ـ عليهمالسلام.
قلنا : مدلول الآية أنه لو أراد فعل ، ولا اعتراض عليه ، وهذا القدر لا يقتضي أنه يفعل ، أو لا يفعل.
ثم قال : «والله غفور رحيم» والمقصود منه أنه وإن حسن كل ذلك منه إلا أن جانب الرحمة والمغفرة غالب ، لا على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الفضل والإحسان.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١٣٢)
قال بعضهم : إنه تعالى لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين ، فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح في أمر الدين والجهاد ، اتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهي ، والترغيب والتحذير ، وعلى هذا التقدير ، فيكون ابتداء كلام ، لا تعلّق له بما قبله.
وقال القفال : يحتمل أن يكون متصلا بما قبله من أن المشركين إنما أنفقوا على تلك العساكر أموالا جمعوها بسبب الربا ، فلعل ذلك يصير داعيا للمسلمين على الإقدام على الربا ، فيجمعوا المال ، وينفقوه على العساكر ، فيتمكنون من الانتقام منهم ، فنهاهم الله عن ذلك.
قوله : (أَضْعافاً) جمع ضعف ، ولما كان جمع قلة ـ والمقصود : الكثرة ـ أتبعه بما يدل على الكثرة وهو الوصف بقوله : (مُضاعَفَةً).
وقال أبو البقاء : (أَضْعافاً) مصدر في موضع الحال من «الرّبا» ، تقديره : مضاعفا ، وتقدم الكلام على (أَضْعافاً) ومفرده في البقرة.