وقرأ ابن كثير وابن عامر : «مضعّفة» ـ مشددة العين ، دون ألف (١).
والباقون بالألف والتخفيف ، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة.
فصل
لما كان الرجل في الجاهلية ، إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل ، ولم يكن المديون واجدا لذلك المال فقال : زدني في المال حتّى أزيدك في الأجل ، فربما جعله مائتين ، ثمّ إذا حلّ الأجل الثاني ، فعل مثل ذلك ، ثمّ إلى آجال كثيرة ، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها ، فهذا هو المراد بقوله : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً).
قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإن اتقاء الله واجب ، والفلاح يقف عليه ، وهذا يدل على أن الربا من الكبائر ، وقد تقدم الكلام على الربا في «البقرة».
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) في هذه الآية سؤالان.
الأول : أن النار التي أعدت للكافرين تكون بقدر كفرهم ؛ وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه ، فكيف قال : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)؟
والجواب : أن التقدير : اتقوا أن تجحدوا تحريم الربا ، فتصيروا كافرين.
السؤال الثاني : أن ظاهر قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) يقتضي أنها ما أعدت لغيرهم ، وهذا يقتضي القطع بأن أحدا من المؤمنين لا يدخل النار ، وهو خلاف سائر الآيات.
والجواب عليه من وجوه :
أحدها : أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات ، أعدّ بعضها للكفار ، وبعضها للفسّاق ، فتكون هذه الآية إشارة إلى الدركات المخصوصة بالكفار ، وهذا لا يمنع ثبوت دركات أخرى أعدّت لغير الكفار.
وثانيها : أن تكون النار معدّة للكافرين ، ولا يمنع دخول المؤمنين فيها ؛ لأن أكثر أهل النار الكفار ، فذكر الأغلب ، كما أن الرجل يقول : هذه الدابة أعددتها للقاء المشركين ، ولا يمنع من ركوبها لحوائجه ، ويكون صادقا في ذلك.
وثالثها : أن القرآن كالسورة الواحدة ، فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين ، وباقي الآيات دلّت أيضا على أنها معدة لمن سرق ، وقتل ، وزنى ، وقذف ، ومثله قوله تعالى : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك : ٨] ، وليس جميع الكفار قال ذلك ، وقوله : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) إلى قوله (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٩٤ ـ ٩٨] ، وليس هذا صفة جميعهم ، لما كانت هذه الصفات مذكورة في سائر السور كانت كالمذكورة ـ هاهنا ـ.
__________________
(١) ينظر : السبعة ١٨٤ ، والعنوان ٨٠ ، وإتحاف ١ / ٤٨٧ ، والدر المصون ٢ / ٢١٠.