أوّلا عن الربا ، ثم قال : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وهذا يدل على أن المراد منه : المسارعة في ترك ما تقدم النّهي عنه.
قال ابن الخطيب : «والأولى ما تقدم من وجوب حمله على أداء الواجبات ، والتوبة عن جميع المحظورات ، لأن اللفظ عامّ ، فلا وجه لتخصيصه ، ثم إنه ـ تعالى ـ بيّن أنه كما تجب المسارعة والمغفرة ، فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة ، وإنما فصل بينهما ؛ لأن الغفران معناه إزالة العقاب ، والجنة معناها حصول الثواب ، فجمع بينهما ؛ للإشعار بأنه ، لا بدّ للمكلف من تحصيل الأمرين».
قوله : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [لا بد فيه من حذف ؛ لأن نفس السموات](١) لا تكون عرضا للجنة ، فالتقدير : عرضها مثل عرض السموات والأرض ، يدل على ذلك قوله : «كعرض» ، والجملة في محل جر صفة ل «جنّة».
فصل
في معنى قوله : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وجوه :
أحدها : أن المراد : لو جعلت السموات والأرض طبقات طبقات ، بحيث تكون كل واحدة من تلك الطبقات خطا مؤلفا من أجزاء لا تجزّأ ، ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا ، لكان مثل عرض الجنة.
وثانيها : أن الجنة التي يكون عرضها كعرض السموات والأرض ، إنّما تكون للرجل الواحد ؛ لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملكا له.
وثالثها : قال أبو مسلم : إن الجنة لو عرضت بالسموات والأرض على سبيل البيع ، لكانت ثمنا للجنة ، يقول : إذا بعت الشيء بالشيء : عرضته عليه وعارضته به فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر ، وكذلك ـ أيضا ـ في معنى : القيمة ؛ لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء للشيء حتى يكون كلّ واحد منهما مثلا للآخر.
ورابعها : أن المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة ؛ لأنه ليس شيء عنده أعرض منها ، ونظيره قوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧ ـ ١٠٨] فإن أطول الأشياء بقاء ـ عندنا ـ هو السموات والأرض فخوطبنا على قدر ما عرفناه.
فإن قيل : لم خصّ العرض بالذكر.
فالجواب من وجهين :
الأول : أنه لما كان الغرض تعظيم سعتها ، فإذا كان عرضها بهذا العظم ، فالظاهر أن الطول يكون أعظم ، ونظيره قوله : (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [الرحمن : ٥٤] ، فذكر البطائن؛
__________________
(١) سقط في أ.