أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(١٣٦)
يجوز أن يكون معطوفا على الموصول قبله ، ففيه ما فيه من الأوجه السابقة ، وتكون الجملة من قوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) جملة اعتراض بين المتعاطفين.
ويجوز أن يكون «والذين» مرفوعا بالابتداء ، و «أولئك» مبتدأ ثان ، و «جزاؤهم» مبتدأ ثالث ، و «مغفرة» خبر الثالث ، والثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول.
وقوله : (إِذا فَعَلُوا) شرط ، وجوابه : «ذكروا».
قوله : (فَاسْتَغْفَرُوا) عطف على الجواب ، والجملة الشرطية وجوابها صلة الموصول ، والمفعول الأول ل «استغفروا» محذوف ، أي : استغفروا الله لذنوبهم ، وقد تقدم الكلام على «استغفر» ، وأنه تعدى لاثنين ، ثانيهما بحرف الجر ، وليس هو هذه اللام ، بل «من» وقد يحذف.
فصل في سبب النزول
قال ابن مسعود : قال المؤمنون : يا رسول الله ، كانت بو إسرائيل أكرم على الله منّا ؛ كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه ، اجدع أنفك ، افعل كذا ، فأنزل الله هذه الآية (١).
قال عطاء : نزلت في نبهان التمار ـ وكنيته أبو مقبل ـ أتته امرأة حسناء ، تبتاع منه تمرا ، فقال لها : إن هذا التمر ليس بجيّد ، وإن في البيت أجود منه ، فذهب بها إلى بيته ، فضمها إلى نفسه ، وقبّلها ، فقالت له : اتّق الله ، فتركها ، وندم على ذلك ، وأتى النبي صلىاللهعليهوسلم وذكر له ذلك فنزلت هذه الآية (٢).
وقال مقاتل والكلبيّ : آخى رسول الله بين رجلين ، أحدهما من الأنصار ، والآخر من ثقيف ، فخرج الثقفيّ في غزاة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالقرعة في السفر ، وخلف الأنصاريّ على أهله ، يتعاهدهم ، واشترى لهم اللحم ذات يوم ، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه ، دخل على أثرها ، وقبّل يدها ، فوضعت كفّها على وجهها ، ثم ندم الرجل وانصرف ، ووضع التراب على رأسه ، وهام على وجهه ، ولما رجع الثقفيّ لم يستقبله الأنصاريّ ، فسأل امرأته عن حاله ، فقالت : لا أكثر الله في الإخوان مثله ، ووصفت له الحال ، والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا ، فطلب الأنصاريّ الثقفيّ حتى وجده ، فأتى به
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٣٧) وعزاه لابن المنذر عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢١٩ ـ ٢٢٠) عن ابن مسعود.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١٣٥) من رواية عطاء عن ابن عباس.