وقيل : وهم يعلمون أن الإصرار ضار (١).
وقال الضّحّاك : وهم يعلمون أن الله يملك مغفرة الذنوب ، وقال الحسن بن الفضل : وهم يعلمون أن لهم ربا يغفر الذنوب (٢).
وقيل : وهم يعلمون أن الله تعالى ، لا يتعاظمه العفو عن الذنوب ـ وإن كثرت ـ.
وقيل : وهم يعلمون أنهم إن استغفروا غفر لهم.
قوله : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ،) والمعنى : أن المطلوب بالتوبة أمران :
الأول : الأمن من العقاب ، وإليه الإشارة بقوله : (مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
والثاني : إيصال الثواب إليه ، وهو المراد بقوله : (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها).
قوله : (مِنْ رَبِّهِمْ) في محل رفع ؛ نعتا ل «مغفرة» ، و «من» للتبعيض ، أي : من مغفرات ربهم.
قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال من الضمير في (جَزاؤُهُمْ ؛) لأنه مفعول به في المعنى ؛ لأن المعنى : يجزيهم الله جنات في حال خلودهم ويكون حالا مقدرا ، ولا يجوز أن تكون حالا من «جنّات» في اللفظ ، وهي لأصحابها في المعنى ؛ إذ لو كان ذلك لبرز الضمير ، لجريان الصفة على غير من هي له ، والجملة من قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) في محل رفع ؛ نعتا ل «جنّات». وتقدم إعراب نظير هذه الجمل.
قوله : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) المخصوص بالمدح محذوف ، تقديره : ونعم أجر العاملين الجنة.
فصل
دلّت هذه الآية على أن الغفران والجنات يكون أجرا لعملهم ، وجزاء عليه.
قال القاضي : وهذا يبطل قول من قال : إن الثواب تفضّل من الله ، وليس بجزاء على عملهم.
قال ثابت البناني : بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ) الآية.
قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)(١٣٨)
لما وعد على الطاعة والتوبة بالمغفرة والجنة ، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١٣٦) والزمخشري في «الكشاف» (١ / ٤١٧) وأبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٦٥).