قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ)(١٢)
قرأ الأخوان (١) : «سيغلبون» و «يحشرون» ـ بالغيبة ـ والباقون بالخطاب ، وهما واضحان كقولك : قل لزيد : قم ؛ على الحكاية ، وقل لزيد : يقوم وقد تقدم نحو من هذا في قوله: (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ).
وقال أبو حيّان : ـ في قراءة الغيبة ـ : «الظاهر أنّ الضمير للذين كفروا ، وتكون الجملة ـ إذ ذاك ليست محكية ب «قل» بل محكية بقول آخر ، التقدير : قل لهم قولي : سيغلبون وإخباري أنهم سيقع عليهم الغلبة ، كما قال : «قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف» فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون ، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون».
وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشريّ ، فأخذه منه ، ولكن عبارة الزمخشريّ أوضح ، قال رحمهالله : فإن قلت : أيّ فرق بين القراءتين ـ من حيث المعنى؟
قلت معنى القراءة بالتاء ـ أي من فوق ـ الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنّم ، فهو إخبار بمعنى : ستغلبون وتحشرون ، فهو كائن من نفس المتوعّد به ، وهو الذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخبر به من وعيدهم بلفظه ، كأنه قال : أدّ إليهم هذا القول الذي هو قولي لك : «سيغلبون ويحشرون».
وجوّز الفرّاء (٢) وثعلب أن يكون الضمير في «سيغلبون ويحشرون» لكفار قريش ، ويراد بالذين كفروا اليهود ، والمعنى : قل لليهود : ستغلب قريش. وهذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط.
قال مكيّ : «ويقوّي القراءة بالياء ـ أي من تحت ـ إجماعهم على الياء في قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، والتاء يعني من فوق أحبّ إليّ ، لإجماع الحرميّين (٣) وعاصم وغيرهم على ذلك».
قال شهاب الدين (٤) : ومثل إجماعهم على قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) [الأنفال : ٣٨] إجماعهم على قوله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) [النور : ٣٠] ، وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) [الجاثية : ١٤] ، وقال الفرّاء : «من قرأ بالتاء جعل
__________________
(١) انظر : السبعة ٢٠١ ، والكشف ١ / ٣٣٥ ، والحجة ٣ / ١٧ ، وحجة القراءات ١٥٣ ، والعنوان ٧٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٨ ، وشرح شعلة ٣٠٨ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٤٦ ، وإتحاف ١ / ٤٦٩.
(٢) ينظر معاني القرآن ١ / ١٩١.
(٣) الحرميان هما الإمامان نافع وابن كثير رحمهماالله تعالى.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٤.