وقوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) «كيف» خبر مقدم ، واجب التقديم ، لتضمّنه معنى «الاستفهام» ، وهو معلق ل «انظروا» قبله ، فالجملة في محل نصب بعد إسقاط الخافض ؛ إذ الأصل : انظروا في كذا.
فصل
والغرض من هذا الكلام : زجر الكفار عن الكفر بتأمل أحوال المكذبين ، ونظيره قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣] ، وقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص : ٨٣] ، وقوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] وليس المراد منه الأمر بالسير ـ لا محالة ـ بل المقصود : تعرف أحوالهم ، فإن حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود ، ويحتمل أن يقال ـ أيضا ـ : إنّ مشاهدة آثار المتقدمين لها ، أثر أقوى من أثر السماع.
قال الشاعر : [الخفيف]
١٦٢٧ ـ إنّ آثارنا تدلّ علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار (١) |
فصل
قال المفسرون : وهذا في حرب أحد ، يقول : فأنا أمهلهم ، وأستدرجهم ، حتى يبلغ أجلي الذي أجّلت في نصرة النبي صلىاللهعليهوسلم وأوليائه وهلاك أعدائه.
قوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) أي : القرآن.
وقيل : ما تقدم من قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ).
وقيل : ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده.
والموعظة : الوعظ وقد تقدم.
قوله : «للناس» يجوز أن يتعلق بالمصدر قبله ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه وصف له.
قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) يجوز أن يكون وصفا ـ أيضا ـ ويجوز أن يتعلق بما قبله ، وهو محتمل لأن يكون من التنازع ، وهو على إعمال الثاني للمحذوف من الأول.
فصل
في الفرق بين الإبانة وبين الهدى ، وبين الموعظة ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ، وذكروا فيه وجهين :
الأول : أن البيان هو الدلالة التي تزيل الشبهة ، والهدى بيان الطريق الرشيد ؛ ليسلك
__________________
(١) ينظر البيت في مفاتيح الغيب ٩ / ١٢.