دون طريق الغيّ ، والموعظة هي الكلام الذي يفيد الزّجر عما لا ينبغي في الدين.
الثاني : أن البيان هو الدلالة ، وأما الهدى فهي الدلالة بشرط إفضائها إلى الاهتداء.
وخصّ المتقين ؛ لأنهم المنتفعون به ، وتقدّم الكلام في ذلك في قوله : «هدى للمتقين».
وقيل : إن قوله (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) عامّ ، ثم قوله : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) مخصوص بالمتقين ؛ لأن الهدى اسم للدلالة الموصّلة إلى الاهتداء ، وهذا لا يحصل إلا في حقّ المتقين.
قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٣٩)
الأصل : توهنوا ، فحذفت الواو ؛ لوقوعها بين تاء وكسرة في الأصل ، ثم أجريت حروف المضارعة مجراها في ذلك ، ويقال : وهن ـ بالفتح في الماضي ـ يهن ـ بالكسر في المضارع.
ونقل أنه يقال : وهن ، ووهن ـ بضم الهاء وكسر في الماضي ـ و «وهن» يستعمل لازما ومتعديا ، تقول : وهن زيد ، أي : ضعف ، قال تعالى : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم : ٤] ، ووهنته وأضعفته ، ومنه الحديث : «وهنتهم حمّى يثرب» (١) ، والمصدر على الوهن ـ بفتح الهاء وسكونها.
وقال زهير : [البسيط]
١٦٢٨ ـ ........... |
|
فأصبح الحبل منها واهنا خلقا (٢) |
أي : ضعيفا.
قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) جملة حالية من فاعل (تَهِنُوا)، أو (تَحْزَنُوا) ، والاستئناف فيها غير ظاهر ، و (الْأَعْلَوْنَ) جمع أعلى ، والأصل : أعليون ، فتحرّكت الياء ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا فحذفت لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة لتدلّ عليها.
وإن شئت قلت : استثقلت الضمة على الياء ، فحذفت ، فالتقى ساكنان أيضا ـ الياء والواو ـ فحذفت الياء ؛ لالتقاء الساكنين ، وإنّما احتجنا إلى ذلك ؛ لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضموما ، لفظا ، أو تقديرا. وهذا من مثال التقدير.
__________________
(١) أخرجه البخاري كتاب الحج ب ٥٥ ، كتاب المغازي ب ٤٣ ومسلم كتاب الحج رقم ٢٤٠ وأبو داود كتاب المناسك ب ٥٠ والنسائي كتاب المناسك ٥٥ وأحمد (١ / ٢٩٠ ، ٢٩٥ ، ٣٠٦ ، ٣٧٣).
(٢) عجز بيت والبيت بتمامه :
وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت |
|
فأصبح الحبل منها واهنا خلقا |
ينظر ديوانه (٣٤) وأشعار الشعراء الجاهلين ١ / ٣٠٣ والبحر المحيط ٣ / ٦١ والدر المصون ٢ / ٢١٤.