فصل
اعلم أن الآيات المتقدمة ، كالمقدمة لهذه الآية ، كأنه قال : إن بحثتم عن أحوال القرون الماضية ، علمتم أن أهل الباطل ، وإن اتفقت لهم [الصّولة] ، فمآل أمرهم إلى الضّعف ، ومآل أهل الحق إلى العلو والقوة ، فلا ينبغي أن تصير صولة الكفّار عليكم يوم أحد سببا لضعف قلوبكم ، وهذا حثّ لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم على الجهاد على ما أصابهم من القتل ، والجراح يوم أحد ، يقول : (وَلا تَهِنُوا) أي : لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح ، (وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي : تكون لكم العاقبة بالنصر والظّفر ، وهذا مناسب لما قبله ، لأن القوم انكسرت قلوبهم بذلك الوهن ، فكانوا محتاجين إلى ما يقوّي قلوبهم.
وقيل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي : أن حالكم أعلى من حالهم في القتل ، لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد ، وهو كقوله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) أو لأن قتالكم لله تعالى ، وقتالهم للشيطان ؛ أو لأن قتالكم للدين الحق ، وقتالهم للدين الباطل ، فكل ذلك يوجب أن تكونوا أعلى حالا منهم.
وقيل : «وأنتم الأعلون بالحجة».
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جوابه محذوف.
فقيل : تقديره : فلا تهنوا ولا تحزنوا.
وقيل : تقديره : إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الموقعة لا تبقى بحالها ، وأن الدولة تصير للمسلمين.
فصل
معنى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : بقيتم على إيمانكم.
وقيل : وأنتم الأعلون فكونوا مصدّقين بما يعدكم الله ، ويبشّركم به من الغلبة.
وقيل : إن كنتم مؤمنين ، معناه : إذا كنتم مؤمنين ، أي : لأنكم مؤمنون.
وقال ابن عباس : انهزم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشعب ، فأقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اللهم لا يعلونّ علينا ، اللهمّ لا قوّة إلّا بك» ، وثاب نفر من المسلمين ، رماة ، فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين ، حتى هزموهم ، فذلك قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)(١).
وقال الكلبيّ : نزلت هذه الآية بعد يوم أحد ، حين أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه بطلب
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٣٦) من طريق عطية العوفي عن ابن عباس.
وأخرجه أيضا (٧ / ٢٣٤) عن ابن جريج وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.