وروى البراء بن عازب قال : جعل النبي صلىاللهعليهوسلم على الرّماة يوم أحد ـ وكانوا خمسين رجلا ـ عبد الله بن جبير ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن رأيتمونا تخطّفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وكان على يمنة المشركين خالد ابن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ، ومعهم النساء يضربن بالدفوف ، ويقلن الأشعار ، فقاتلوا حتى حميت الحرب ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سيفا ، فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ، ويضرب به العدو حتى ينحني؟ فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ، فلما أخذه اعتمّ بعمامة حمراء ، وجعل يتبختر ، ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموضع» ففلق به هام المشركين ، وحمل النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه على المشركين ، فهزموهم ، قال : فأنا ـ والله ـ رأيت النساء يشتدّون ـ قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة ، أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم ، فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقالوا : والله لنأتينّ الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ تدعوهم ، والرسول في أخراهم ، فلم يبق مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم غير اثني عشر رجلا ، فأصابوا منّا سبعين ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة ـ سبعين أسيرا ، وسبعين قتيلا ـ فقال أبو سفيان ثلاث مرات : أفي القوم محمد؟ فنهاهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يجيبوه ، فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات؟ أفي القوم عمر ثلاث مرات؟ فرجع إلى أصحابه ، فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه ؛ فقال : كذبت ـ والله ـ يا عدوّ الله ؛ إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوؤك ، قال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم جعل يزمجر : اعل هبل ، اعل هبل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أجيبوه ، قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا : الله أعلى وأجلّ ، قال : إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : أجيبوه ، قالوا ما نقول؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وروي هذا المعنى عن ابن عباس (١).
قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) ذكر أبو بكر بن الأنباري في تعلّق هذه اللام وجهين :
أحدهما : أن اللام صلة لفعل مضمر ، يدل عليه أول الكلام ، تقديره : وليعلم الله الذين آمنوا نداولها.
الثاني : أن العامل فيها (نداولها) المذكور ، بتقدير : نداولها بين الناس ليظهر أمرهم ، ولنبين أعمالهم ، وليعلم الله الذين آمنوا ، فلما ظهر معنى اللام المضمر في
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٤٠) عن ابن عباس بمعناه.